من الحقائق الراسخة في طبائع البشر أنهم لا يجدون في أنفسهم الترحيب بمن يرمي بثقله عليهم مهما كانت صلته بهم أو مكانته لديهم، فكلّ له معاناته التي يرزح تحت ابتلائها، وكل له خصوصياته التي لا يرغب أن يطلع عليها أحد سواه، وكل له عوراته التي لا يود كشفها حتى لأحب الناس لديه.
لذا فقد بين نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- النهج الذي ينبغي أن نسلكه في مثل هذه الأحوال قائلاً: (التمس لأخيك عذراً) فلماذا سوء الظن في الآخرين الذي تبتلى به بعض النفوس البشرية؟ بينما هي تتوجع وتتأفف حينما لا يقدِّر الآخرون معاناتها الخفية أو الظاهرة! أليس الناتج: كما تدين تدان؟
فعلام التقاطع والتشاحن بين الأرحام والأنساب، بل والجيرة والأصدقاء في زماننا هذا بشكل يلفت الأنظار، وليت السبب يقتصر على مجرد الانشغال، وإنما يعدوه إلى الصدود والقطيعة وتصعير الخد وتقطيب الحاجبين وأخذ مواقف سلبية ممقوتة، وغيرها من الحروب النفسية التي لا مبرر لها إلا الأوهام الشيطانية المدمرة لنفس صاحبها ولعلاقاته الإنسانية.
بل يتجاوزه إلى دمار الدين ومحق العمل الصالح، وانتشار الأوبئة النفسية بين أبناء المجتمع الواحد بل الأسرة الواحدة، حتى ازدادت الحواجز وكثرت العقد المرضية.
فالرأي السديد يقول إنه من الضروري أن تضع بينك وبين الآخرين مسافة يسيرة تعطي الطرف الآخر مساحة من الحرية الشخصية التي هي من حق كل إنسان، وتحفظ أيضا قدرك أمامهم.
وليس المقصود وضع الحاجز المؤدي إلى الانطواء أو تذمر الآخرين وكسب كراهيتهم، إنما مسافة احترام وواقعية، كي يستمر تدفق نهر الود في الله الصافي المتوازن، لا تلك العاطفة المندفعة المتطرفة، التي تأتي بضدها حين الصدمات.
فالتعامل مع الآخرين بهذا الشكل المسرف في الأنانية يفضي إلى السقوط النفسي والانهيار العاطفي، لأن الأرواح تسأم، فقد نصحنا المعلم العظيم بقوله: (روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب تمل).
إن التوازن الانفعالي في المشاعر والعلاقات والمسؤوليات هو أكبر دلالة على الشخصية السوية المتعافية نفسياً وبدنياً، تأتي في مقدمتها العلاقة بالله وفي الله، ولنردد معا الدعاء المغني (اللهم ارزقنا الأنس بقربك).
ولنتغافل عن الهفوات البشرية للآخرين لأن الكمال للكامل سبحانه، وليس لنا أو لغيرنا، وقديماً قيل (سيد قومه المتغافل).
g-al-alshehk@hotmail.com