يلتبس الحال على بعض الناس ويكون عنده نوع من الخوف من السحرة أو تعظيم شأنهم، وهذا ما جعل لهم تأثيراً وصولة وجولة في حياة من لا يعرف حقيقة السحرة والمشعوذين.
ولأجل ذلك فإن من المهم أن يعلم الناس أن السحرة والمشعوذين ليسوا بشيء، وأنهم أخذل الناس وأضعفهم وأشدهم خسة ودناءة، ومن شرط ذلك أن يتحصن الشخص ويتمسك بما أرشدهم إليه نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم.
وبداية فإن المجيء إلى السحرة والمشعوذين لطلب النفع منهم أمر محرم تحريماً أكيداً، وقد يؤول بمن وقع منه ذلك إلى الردة عن دين الإسلام والعياذ بالله.
ففي (سنن أبي داود) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنا ًفصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
وجاء في رواية لمسلم الوعيد لمن جاء للعراف والكاهن وسأله، سواء صدقه أو شك في خبره، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).
وروى الإمام مسلم في صحيفه أنه لما لقي معاوية بن الحكم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله فقال: قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان؟ قال: (فلا تأتهم) قال: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: (ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم - قال ابن الصباح الراوي، فلا يصدنكم - قال: قلت: ومنا رجال يخطون؟ قال: (كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك).
روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا (فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا) للذي قال: { قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (23) سورة سبأ, فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بن عيينة راوي الحديث بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكهاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء).
وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بشيء، قالوا يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة).
قال الخطابي: هؤلاء الكهان فيما علم بشهادة الامتحان قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطبائع نارية فهم يفزعون إلى الجن في أمورهم ويستفتونهم في الحوادث فيلقون إليهم الكلمات.
قال: والمعنى في قوله (فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة) أن الجني إذا ألقى الكلمة لوليه تسامع بها الشياطين فتناقلوها كما إذا صوتت الدجاجة فسمعها الدجاج فجاوبتها.
وقال القرطبي: الأشبه بمساق الحديث أن الجني يلقي الكلمة إلى وليه بصوت خفي متراجع له زمزمة ويرجعه له، فلذلك يقع كلام الكهان غالباً على هذا النمط.
وقال الخطابي: بين صلى الله عليه وسلم أن إصابة الكاهن أحياناً إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقاً من الملائكة، فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع فربما أصاب نادراً وخطؤه الغالب.
وقد أخرج مسلم في حديث آخر أصل توصل الجني إلى الاختطاف فأخرج من حديث ابن عباس قال: حدثني رجال من لاأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار، فقال: (ما كنتم تقولون إذا رمي مثل هذا في الجاهلية)؟ قالوا: كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، أو مات رجل عظيم. فقال: (إنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح إلى أهل هذه السماء الدنيا، فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم حتى يصل إلى السماء الدنيا، فيسترق منه الجني، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يزيدون فيه وينقصون).
وفي الحديث بقاء استراق الشياطين السمع لكنه قل وندر حتى كاد يضمحل بالنسبة لما كانوا فيه من الجاهلية، وفيه النهي عن إتيان الكهان.
قال القرطبي رحمه الله: يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئاً من ذلك من الأسواق، وينكر عليهم أشد النكير، وعلى من يجيئ إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيئ إليهم فإنهم من الجهال بما في إتيانهم من المحذور.
وقد بين الله تعالى اضمحلال السحرة وفساد صنيعهم فقال سبحانه: { وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} (77) سورة يونس وقال جل وعلا: { إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (69) سورة طه.
فهذه الآية تعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد الله ذلك بالتعميم في كل الأمكنة والأزمنة بقوله: (حيث أتى) وهذا أسلوب عربي معروف يقصد به التعميم، أي: لا يفوز ولا ينجو حيث أتى زماناً ومكاناً، ونفي الفلاح عنه دليل على كفره. لأن الفلاح لا ينفي بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر. وقد عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة (لا يفلح) يراد بها الكافر، علاوة على ما جاء في القرآن من كفر متآطي السحر كقوله تعالى: { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (102) سورة البقرة. فقوله {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} يدل على أنه لو كان ساحراً - وحاشاه من ذلك - لكان كافراً. وقوله {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} صريح في كفر معلم السحر.
ومما يوضح ضعف السحرة والكهنة وهوانهم ما ثبت في الصحيحين عن عائشة قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليسوا بشيء) الحديث.
وبما تقدم وبما يعلمه من وقف على أحوال السحرة والكهنة والمشعوذين يدرك أنه من أشد الناس ضعفاً وخسة ودناءة، فهم في أبدانهم بين الأوساخ والقاذورات وما تعافه الأنفس الكريمة، وفي أرواحهم قد ارتكسوا بالذلة للشياطين والاستعباد لهم، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
khalidshaya@hotmail..com