الرياض - خاص ل(الجزيرة):
حمَّل أكاديمي متخصص في الإعلام، رجال الأعمال وأصحاب الأموال والاستثمارات المسلمين، مسؤولية ضعف الإعلام الإسلامي لإعراضهم عن الاستثمار فيه أو دعمه من خلال الإعلانات، وقال: للأسف الشديد ان أصحاب الاستثمارات المالية لا يقدمون دعما يذكر لوسائل الإعلام الإسلامية المقروءة أو المسموعة أو المرئية، في الوقت الذي نجد إعلاناتهم تنهال على وسائل الإعلام غير الإسلامية التي تغص بالمخالفات الشرعية، مؤكدا أن تذرع أصحاب الأموال بضعف وسائل الإعلام الإسلامية، ومحدودية انتشارها، وقلة جمهورها، لا تستند إلى أسس علمية، وأن هؤلاء يتناسون وهم يرددون هذه المزاعم أنهم يدعمون الإعلام الآخر بالتقصير والضعف والمحدودية.
كما حمَّل من ناحية أخرى، وسائل الإعلام العربية والإسلامية ورجال الدعوة والإعلام الإسلامي مسؤولية مواجهة الإعلام الغربي ومن يسير في فلكه الذي يسعى إلى محاربة الفضائل، وتحدي الفطرة، ونشر الرذائل الفكرية والخلقية والسلوكية، وإغراق العالم في أمواج من الفكر التحرري المتمرد على الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها.
جاء ذلك في حديث أستاذ الإعلام الإسلامي المشارك في كلية الدعوة والإعلام بالرياض الدكتور محمد بن عبد الله الخرعان ل(الجزيرة) تناول فيه مسؤولية رجال الإعلام الإسلامي تجاه حمل لواء الدعوة إلى الله وتقديمها في أبهى صورة، وكيفية إيجاد إعلام إسلامي قوي يواجه الإعلام المنحرف مستندا في ذلك الى ثوابت الدين الإسلامي المستمدة من الكتاب والسنة.
واستهل الدكتور الخرعان حديثه بالقول: إن الإعلام وإتقان فنونه ومهاراته، والتعامل مع تقنياته لم يعد حكرا على غير المتدينين، إذ ظهرت العديد من الوسائل الإعلامية الملتزمة بقيم الشرع ومعاييره، وأنشئت الأقسام العلمية في العديد من الجامعات في العالم الإسلامي التي هيأت الفرصة لخروج جيل من أبناء المسلمين يجمعون بين المهارة الفنية الإعلامية، والالتزام الديني، وأصبح لدينا رجال إعلام مسلمون، ووسائل إعلام إسلامي، ومهنيون مبدعون في إطار هذه الرؤية، ما أوجد بيئة إعلامية إسلامية متكاملة، وهذا هو الوضع اللائق بالأمة الإسلامية ومكانتها بين الأمم، وبأبنائها ومؤسساتها الإعلامية.
ولاحظ د. الخرعان أن من إشكاليات الإعلام في العصر الحاضر أنه نشأ في بيئة لها ثقافتها ورؤيتها للحياة، وهي البيئة الغربية المادية، وللأسف أنه انتقل إلينا وانتقلت معه تبعات تلك البيئة، مما أوجد انفصاما حادا بين أداء وسائل الإعلام في كثير من مجتمعات المسلمين وبين تلك المجتمعات نفسها، أصبحت معه وسائل الإعلام بيئات منفصلة في كثير من الأحيان عن محيطها الاجتماعي، وثقافتها المستمدة من دينها وشريعتها الربانية العظيمة، مشيرا إلى أنه في ظل التحدي الرهيب الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية ومن يسير في فلكها من وسائل الإعلام في بلاد المسلمين، والكم الهائل من هذه الوسائل التي تحارب الفضائل، وتتحدى الفطرة، وتنشر الرذائل الفكرية والخلقية والسلوكية، لابد أن يوجد في المسلمين من يتصدى لذلك الوباء، ويسعى إلى تخليص الأمة الإسلامية بخاصة، والبشرية بعامة من تبعات هذا الإعلام المدمر، ولا سيما أن تلك التوجهات الإعلامية تصب غالباً في مصلحة الخصم الذي يسعى إلى الهيمنة على عالمنا الإسلامي سياسيا وعسكريا والتمكن من موارده وخيراته.
وقال: وفي سبيل سعيه لتحقيق تلك الهيمنة نرى تلك الوسائل الإعلامية المنحرفة وقد توجهت إلى إغراق العالم في أمواج من الفكر التحرري المتمرد على الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها في العلاقة فيما بينهم، في علاقاتهم الأسرية من خلال تبني هدم كيان الأسرة بالدعوة إلى تمرد الأبناء والبنات باسم الاستقلال في الشخصية والقرار الفردي، وعلاقاتهم الشخصية بالتمرد على العلاقة الفطرية المتمثلة في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة وإشاعة العلاقات الجنسية المحرمة والشذوذ، وفي علاقاتهم مع موارد الطبيعة، بالدعوة إلى إشاعة ثقافة الاستهلاك المفرط لمواردها على المستوى الشخصي والجمعي من خلال الدعايات والإعلانات الإغرائية الرهيبة، كما نرى تلك الوسائل أيضاً في توجهها الخطير إلى إغراق العالم بالخرافة والدجل من خلال قنوات السحر والكهانة والتنجيم وقراءة الطوالع.
وشدد الدكتور الخرعان على أن الإعلامي المسلم وهو يرى ذلك الواقع الأليم، ومن خلال مسؤوليته تجاه وطنه وأمته، ومسؤوليته الكبرى تجاه البشرية باعتباره واحدا من أتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله للناس كافة بشيرا ونذيرا، فإنه يتحمل مسؤولية مواجهة ذلك الطوفان من الإعلام المنحرف، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تقديم دينه الذي ارتضاه الله للناس كافة وبكل سبيل مباح، لينقذ البشرية، بل الأرض بأسرها من تداعيات هذا الانزلاق الخطير، غير أن المسؤولية لا تقع على الإعلامي كفرد، ولكن باعتباره واحدا من مجتمع يتحمل جوانب أخرى من تبعات هذه المسؤولية.
وواصل قائلا: ونحن حينما نحمل رجل الإعلام المسلم المسؤولية فهو يحتاج كذلك إلى بيئة تنظيمية ومعيارية مناسبة ليؤدي من خلالها دوره بإيجابية وفاعلية، ويعرف حقوقه وواجباته، كما أنه يحتاج إلى إمكانات، ووسائل وتقنيات قد لا يستطيع هو باعتباره فردا أن يوفرها ولا أن يحصل عليها، فالمسؤولية إذاً مسؤولية جماعية، كل فرد أو مؤسسة في المجتمع المسلم تتحمل جانبا منها.
ورأى الأكاديمي السعودي أن هناك علاقة وثيقة بين وجود إعلام قوي وبيئة قوية، وقال: حينما نتحدث عن إيجاد إعلام إسلامي قوي فنحن بحاجة إلى الحديث عن أشياء كثيرة، فالإعلام القوي هو نتاج بيئة قوية في عدة أمور: قوية في رؤيتها الإسلامية وثقتها في منهجها الشرعي الذي ارتضاه له ربها، وتمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، قوية في إرادتها بالتمكين لهذه الرؤية في واقع الحياة، تنطلق في ذلك من قوله - عز وجل -: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}، قوية في إمكاناتها الإعلامية وسعيها للحصول على أفضل مستوى من الأداء المبين والبلاغ المبين.
وأكد أن هذا يتطلب تحقيق أولا: التربية الإسلامية لرجل الإعلام، بحيث يتشرب هدي الإسلام في جوانب حياته كلها، ويصبح الإسلام والإيمان كالهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، ولا تستهويه، بوارق الإعلام الزائف وطروحاته الفكرية الخلابة وتصرفه عن نور الحق والهدى، والقيام بمسؤولياته الشرعية في الدعوة إلى الله - عز وجل - وبيان الحق، وحماية مجتمعه من الانزلاق بعيدا عن هذا الهدي، والسعي من بعد إلى إنقاذ البشرية ودعوتها إلى الله - عز وجل - ودينه الحق، وثانيا: التدريب المهني الراقي الذي يمكن رجل الإعلام من إتقان مهاراته، والتعامل مع تقنياته بكل احتراف واقتدار، بما يسهم في تمكينه من تقديم الإسلام بصورة قوية ومؤثرة وفاعلة، وثالثا: الدعم المادي القوي لوسائل الإعلام الإسلامي، فصناعة الإعلام صناعة مكلفة، تتطلب ميزانيات كبيرة حتى تستطيع أن تنتج وتستمر وتؤثر وتنافس، وحينما نتحدث عن تأثير الإعلام الغربي أو غيره مما يشاكله، فنحن نتحدث عن مؤسسات ضخمة، بل إمبراطوريات تدير مليارات الدولارات مما مكنها من أن تستحوذ على وقت الجمهور، وتفرض سيطرتها على الإعلام العالمي.
وأعرب الدكتور الخرعان عن أسفه لوجود عزوف من كثير من أصحاب المال المسلمين عن الاستثمار في وسائل الإعلام، أو دعمها من أموالهم، أو حتى الدعم من خلال الإعلان فيها، بحجة ضعف انتشارها ومحدودية جمهورها، متناسين أنهم بذلك يدعمون الإعلام الآخر من حيث لا يشعرون، ويضعفون الإعلام الإسلامي الذي يعودون ويتهمونه بالتقصير والضعف ومحدودية الانتشار.