الدين الإسلامي دين شامل وكامل لمناحي الحياة كافة، جاء بالخير والرشاد للبشرية أجمع، ودعا إلى عمارة الأرض واستثمارها بما يعود بالنفع على الإنسان في نفسه ومجتمعه!! أراد أن يهذب النفس البشرية لتصل إلى الكمال البشري الممكن {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، وأراد أن يصل المجتمع البشري إلى درجة من الرقي حتى لا يظلم أحد أحداً.. ولا يعتدي أحد على أحد.. أراد أن تصل الحقوق لأهلها وتؤدى الواجبات على وجهها، حتى يصير الناس كلهم إخوة متعاونين متوادين متراحمين!! لكن الإنسان كفر وطغى.. وبغى وتجبر وعصى، فظهر الظلم والعاصي، واختلف الناس فمنهم كافر ومنهم مؤمن، ومنهم العاصي ومنهم الطائع، ومنهم دون ذلك!! والإسلام بواقعية شرائعه، لحظ المثالية المطلوبة، وعالج الحالة الواقعة بحكمة وعدل واقتدر، ووضع من التشريعات ما يكفل ردع الظلم وكف العاصي، وجعل ضمانات تحفظ المجتمع وتضبط مسيرته الحياتية على وفق الحكمة والعدل والصفاء وحسن المظهر وسلامة السلوك ورقي الأخلاق فكانت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحد الضمانات الكبيرة التي تحفظ على المجتمع المسلم دينه وخلقه، وترعى حقوقه وتضمن أداء أفراده لواجباتهم الدنيوية والأخروية على أفضل وجه ممكن قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، فتحقيق الخير والرشاد والعدل والإخاء يكون بتطبيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم، وقد ذكر بعض العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن من أركان الإسلام، وهذا حق، فمن نظر إلى أوامر الشريعة الإسلامية ونواهيها ومقاصدها وحكمها، علم صدق ذلك، فالدين عبادات ومعاملات وأخلاق، ومنها أركان ومنها واجبات، ومنها محرمات وكبائر، ومنها مستحبات ومكروهات، وقد قرن الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصلاة والزكاة وهما من أركان الدين العظيمة فقال: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، فلم يعطف على الصلاة والزكاة من الأوامر والنواهي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا يدل على الأهمية الكبيرة لهذه الشعيرة وتقدمها على غيرها، ويلزم لإقامة الدين وجود سلطة اجتماعية ضابطة، وإلا لا يستقيم أمر ولا نهي، لوجود الظلم والجهل والعصيان في التركيبة البشرية.. {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، والإنسان معرض للنسيان والغفلة وهذه الشعيرة تذكر الناسي وتنبه الغافل، والشيطان حريص على إغواء بني آدم وجره إلى الفساد وإحباط آماله الدنيوية: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (268) سورة البقرة، (وهذه الشعيرة تجعل من إخوانه عوناً له على الشيطان ووساوسه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة تعبدية يقوم بموجبها الفرد المسلم بواجبه في الرقابة الشعبية حتى تسير سفينة المجتمع بسلام وأمان ويعيش أفراده برخاء واطمئنان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصيصة للأمة المحمدية تدرأ عنها المصائب والعقوبات العامة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) (رواه أبو داود) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياة للبلاد والعباد!! جعلنا الله من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المؤمنين بالله ورسوله، آمين.
رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة المنورة