لم أتبين معاني الكلمات التي كانت ترددها.. مع أن الظلام كان دامساً.. يسمع الإنسان فيه ما لا يمكن سماعه في ضجيج النهار وحركته.. الهدوء يخيم على أرجاء المكان.. وخلال هدوء الليل وصمته أستيقظ على كلمات متتابعة تخرج من أعماق صدرها..
لسنوات من عمري وعمرها لم تملّ أبداً هذه التمتمات الضعيفة.. ولم أدر أو أستوعب الذي تقول..
كانت تلك اللحظات تمر عليَّ بصعوبة.. أحس أن شيئا خطيراً يوشك أن يقع على رؤوسنا نحن أصحاب هذا المنزل المتواضع والمعيشة المتواضعة والأسرة المتواضعة.. وكانت تلك اللحظات تولِّد عندي أسئلة لا نهاية لها.
في تلك الدقائق كنت أشدّ ما أتوق إليه أن أجد أجوبة عن أسئلة تدور داخل رأسي الصغير.. في الصيف خارج الغرفة.. في هواء دمشق العليل.. تجلس العجوز في ساحة الدار قرب زهور بيتنا الشعبي.. وأشاهدها بالقرب من باب الغرفة بعد صلاتها.. تبدأ تمتماتها الضعيفة التي اعتادتها ولم تملها.. ولم أكن أعيها..
وفي الشتاء تفعل الشيء ذاته.. تمتمات ضعيفة.. وقت الفجر.. داخل الغرفة حيث الدفء الذي يشعر به الصغار.. والصغار فقط.. وجوه الصبية النائمين.. وصوتها يجول في أنحاء غرفتنا..
سألت نفسي كثيراً: أأنا الوحيد من إخوتي الذي أسمع ما أسمع؟.. وما الذي تقوله عجوزنا الحنون؟!..
في شقتي الصغيرة في العاصمة الخليجية الكبيرة أحسست الأمر نفسه.. التمتمات نفسها.. مازلت أسمعها.. تمتمات ضعيفة تنشط وقت الفجر.. تلهج بأدعية كثيرة خائفة.. الصبية الصغار نائمون من حولي.. فقط الدفء غاب عن مشهدي القديم.. والتمتمات هذه المرة كانت تخرج من أعماقي.
Ahmadez69@yahoo.com