عندما كنت أرقد في مستشفى (لندن كلنك) قبل ما يقارب الثلاثة أشهر أو يزيد شرفت بزيارة عدد من السعوديين المتواجدين في المملكة المتحدة آنذاك، واتصل علي للاطمئنان ومتابعة حالتي الصحية الكثير وسأل عني الأكثر فلهم مني جميعاً الزائر والمتصل والسائل جزيل الشكر وعظيم التقدير، وممن شرفني وأسعدني بزيارتهم الإخوة الرائعة الثلاثي السعودي في فرنسا، سعادة الدكتور زياد الدريس المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، وسعادة الدكتور عبد الله الخطيب الملحق الثقافي السعودي هناك، والكاتب السعودي المعروف مدير مكتب جريدة الرياض سعادة الأستاذ أحمد أبو دهمان، والرائع في مثل هذه الزيارات من قبل أمثال هؤلاء الثلاثة المثقفين بامتياز أنها تكون غالباً مليئة بالحوارات والمناقشات المفيدة والمحركة للدورة الدموية والعقلية بشكل إيجابي وفعال، وأذكر أن مما طرح وبصورة عرضية في تلك الجلسة السريعة والرائعة، سؤال - جاء على إثر شربنا نعناع حائل المعروف - فحوى هذا السؤال المثير للنقاش (لماذا يرتبط أبناء منطقة حائل أكثر من غيرهم بالمكان، ويعشقون البقاء في مدينتهم غالباً ولو كان ذلك له أثر سلبي على مستقبلهم الوظيفي والتعليمي؟) وبعد حوار طويل بين مؤيد ومعارض، بين من يقول إنهم مثلهم مثل غيرهم من أهالي وأبناء مناطق المملكة الأخرى يترحلون وينتقلون من منطقة إلى أخرى وبين من يقول إنهم يرتبطون بالمكان أكثر، يحبون الجبال والشعبان وطلعت البر والشبه و...، بعد هذا السجال الممتع كان الصوت الأقوى يؤكد القول الأخير بالشواهد والأمثلة الحية التي يعرفها جلنُا وما زالت موجودة في ذات المكان لم ترحل عنه رغم كل المغريات والمنغصات، ولا يعني ذلك التعميم والخصوصية، والسبب في هذه السمة - في نظره - طبيعة المجتمع الحائلي والطبيعة الجغرافية لهذا الجزء الشمالي من وطننا الحبيب، فحائل كما يقول هو جميلة بطبيعتها الفريدة تأسر القلوب وتؤثر على المشاعر، ولذا تغنى بها الشعراء وأحبها الزوار وتعلق بها أهلها وأبناؤهم بشكل يلفت الانتباه، والجيد أن من يقول هذا القول ليس من أهالي المنطقة وربما زارها مرتين أو ثلاثاً فقط ومنذ زمن طويل وفي أوقات متباعدة.. تأملت في كلام صاحبي الخميس الماضي وأنا أتجول في بر حائل بعد أن جاء المطر فازدادت حائل جمالاً على جمال، قلت في نفسي: نعم إن هذه المدينة القابعة في شمال بلادنا الغالية لوحة جملية أبدعها الخالق سبحانه وتعالى، قرأها كثيرون نعرف بعضهم ونجهل آخرين وممن قرأها قراءة تأملية واعية صاحب السمو الملكي أمير حائل أول ما جاء المنطقة، فعرف إنسانها عن كثب، جاب أرضها سهولها وجبالها، وقف على أشجارها وأحجارها، وعرف سر حائل وبوابة العمل التنموي فيها، ثم بدأ التخطيط الجاد للتطوير الواعي حسب الظروف وبناء على المعطيات موظفاً كل الإمكانيات الطبيعية والبشرية والاقتصادية الموجودة في المنطقة أو التي يمكن جلبها والاستفادة منها في خطته للنهوض والإصلاح.. وسلك بمن معه مداخل لم تكن مألوفة ومعروفة أهمها على الإطلاق تأسيس الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل.. والتي احتضنت مشاريع تطورية جيدة من بينها (رالي حائل تحدي النفود) الذي أُشهر قبل أكثر من عامين وعلى وجه التحديد الاثنين الماضي.. 19-10-1426هـ.. ولقد كتبت حينذاك عن هذا المشروع أنه (مدخل متميز غير مسبوق للوصول إلى العالمية.. محبب لنفوس الشباب ويتلاءم وطبيعة المنطقة وجزماً بإذن الله سيحقق جذباً سياحياً جيداً في المستقبل القريب، وسوف تنقل وسائل الإعلام ما لا يمكن أن تصل إليه كاميرات المصورين إلا بمثل هذا المدخل الرائع، ومن خلالها سيعرف الكثير من المشاهدين داخل المملكة وخارجها حائل المدينة والصحراء بوجهها العذري الباسم وربما عشقها وفعلت به فعلها بمن سبق.. لقد كان سموه صريحاً بكل ما تعنيه الكلمة حين أشار في ثنايا كلمته آنذاك إلى أن ما يهمه من هذا النشاط ليس السباق في حد ذاته مع احترامه الشديد لرياضة الرالي ولكن هو ينتظر العائد الاقتصادي الذي سيعود بإذن الله على المستثمر الصغير قبل الكبير في المنطقة نتيجة الجذب السياحي (يهمني صاحب البقالة ومحطة المحروقات التي على الطريق وسائق الأجرة بل ومواطن المنطقة على وجه العموم) واليوم تثبت التجارب الثلاث أن ما كان يدور في مخيلة سمو الأمير أصبح حقيقة يرى بالعين، فالشكر لكم صاحب السمو والشكر موصول لنائبكم ولصاحب السمو مساعد رئيس مجلس أمناء الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل وللزملاء العاملين في لجان رالي هذا العام والأعوام السابقة.. ومستقبل تنموي زاهرا يا أرض الجبلين.. ودمت عزيزاً يا وطني.