لا تهدأ العواصف السياسية في لبنان حتى تطرق أبواب استقراره من جديد أعاصير الإثارة والخطاب المتبادل بين الأطراف اللبنانية المتشحة بعباءة الموقف السياسي, والالتزام التحالفي, فالقادة يخطبون ويؤكدون ويتطرفون في المواقف، والأتباع يتشبعون بالخطاب وينكفؤون على أدبياته وقناعاته، وحلفاء الخارج يتدخلون ويصرون على جر بعض الأطراف إلى تحالفاتهم الإقليمية ذات الطبيعة الامتدادية على المستوى الإقليمي والدولي، وإسرائيل تتربص، وتدقق وتعيد الحسابات في أجنداتها ومناوراتها الميدانية في المنطقة، والفراغ الرئاسي مستمر، ومع ذلك كله وقبله وبعده، لبنان يضيع ويشارف على حافة الانزلاق إلى ظلام ونفق اللاعودة.
علمتنا تجارب الأوطان في تعاملها مع أزماتها السياسية عدة دروس ومفاهيم لعل التجربة اللبنانية الحالية وما تتخبط به من وحل تقاطع المصالح الداخلي والخارجي تستدعي إدراكها وإلقاء نظرة مبسطة عنها، فالوطن عندما يحتدم به الصراع ويستشري الاختلاف بين مكوناتها السياسية والاجتماعية يجب قبل كل شيء إبعاده وحمايته من آثار التدخلات الدولية التي تقنص الفرص وتبحث عن موطئ الأقدام على أرض الأوطان لتكوين قواعد مصلحية وإستراتيجية تستثمرها وتوظفها في مناطحتها للغير أو تستفيد منها في قادم الأيام لتكوين ما يشابه الحدائق الخلفية التي تستغل متى شاء أصحابها وأربابها كمناطق امتداد حيوي وسياسي إيجابي التأثير والمنافع للمتدخل القادم من خلف الحدود سواء عن طريق حلف مذهبي أو حلف تسلحي أو حتى عن طريق أحلاف تغلب عليها سمات الوطنية والمقاومة والتحرير وغيرها من مفاهيم اليوم التي يسهل من خلالها تمرير الأجندات، بالإضافة إلى ذلك فإن محاولة شحن الشارع واستخدامه من حين لآخر للضغط على طرف آخر سواء بالاعتصام أو التظاهر هي بمثابة السحر الذي قد ينقلب على الساحر في أي وقت، فكلنا يعلم أن الشارع المسيس لا أمان له وعلمتنا التجارب أنه عندما يفجر ويطلق له العنان يصعب السيطرة عليه وإن حدثت السيطرة فإن ذلك يأتي بعد الكثير من الخسائر والإسقاطات، ما تقدم أيضا يقودنا إلى الحديث عن فلسفة الدولة ومركزيتها الضرورية التي إن استهدفت وبعثرت مكوناتها فإن الأمر سيقود إلى ما لا تحمد عقباه من توزع المركزيات وتقاسم النفوذ الذي هو بمثابة الطامة الكبرى التي تهدد لبنان وتستهين بعض الأطراف اللبنانية باللعب بنارها وتخاطر في العبث بتركيبتها الحساسة.
لم يبق أمام اللبنانيون ليخرجوا مما هم فيه إلا التمسك بالذات الوطنية الباحثة عن الحل والتوجه إلى نظامهم المؤسسي الذي بات بحاجة ماسة إلى ملء فراغه الرئاسي، وقطع دابر ما يتناوشه من التدخلات الإقليمية البغيضة وما جرته على البلاد من سلبيات وكوارث ليست على مستوى الأزمة بل أيضا على مستوى ما يطرح للأزمة من حلول ومنافذ، يتفنن البعض في عرقلتها ووضع العقبات أمامها طارحاً بذلك إشكالية الولاء بكل ما تعنيه الكلمة، وضارباً بعرض الحائط كل مقومات ومعطيات استقرار ومصلحة البلد التي يبدو أن مصلحة ومنافع تحالفات الإقليم وامتدات الخارج قد طغت وسيطرت عليها لدى البعض.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244