تبادل الحديث اثنان من المستوطنين في الأرض المحتلة، وقال أحدهما للآخر: إن الوقت قد حان لتلقين الفلسطيني درساً لا ينساه فماذا تقترح؟، فأجاب: ما علينا إلا أن نرشي اثنين أو ثلاثة من الجنود العاملين على حمايتنا، والاشتراك معنا في تنفيذ حكم الإعدام علناً وأمام حشد من الفلسطينيين إن أمكن، ولقد حادث اثنين من الجنود وقال لهما: |
إننا سنخفف عليكم عبء حراستكم لنا، ونقدم جميعاً على عمل سيذكره لنا بني صهيون، فأجاب أحد الجنود إن عملاً كهذا قد يترتب عليه مشاكل كثيرة، فردّ عليه أحد المستوطنين: كل المشاكل تُحلّ، وأولها ما سندفعه لكما مقابل الاشتراك معنا وأن تساعدونا لتنفيذ هذا الأمل، وبشهية المال أجاب الجندي: ما تقوله هو عين الصواب، كم ستعطوننا؟ فاشترك الجندي الآخر معهم لمناقشة مقدار المال الذي سيدُفع لهما، وبعد نقاش وجدال وافق المستوطنان على مطلب الجنود، وحصة كل منهما. |
ثم انتقل الحديث نحو من يكون الضحية، فبدأ كل منهما يفكر ويقترح حتى استقر الرأي على جلب اثنين من الفلسطينيين بالحيلة أو العنوة، فاشترك الجميع بجهد واجتهاد حتى تمكنوا من أسر اثنين من المسنين العاجزين اللذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل. |
ووضع المجرمون في ساحة المستوطنة إعلاناً مزيفاً عن جريمة مدعاة ارتكبها الفلسطينيان (إطلاق الصواريخ)، وأنهما سينفذان حكم الإعدام فيهما، فسأل أحد المستوطنين - وهو على علاقة بالفلسطينيين: إنهما مسنّون والعجزُ واضح عليهما، ثم هل سبق هذا محاكمة قانونية ورسمية! فقال الجميع: إننا ننفذُ حكم المحكمة (وهذا إدعاء كاذب). |
وتمّ إحضار الفلسطينيين واحد بعد الآخر مكبلين بالسلاسل أقداماً وأيدي، وتم تنفيذ حكم الإعدام |
|
وحين انتشار المشهد بكل أثره وتأثيره أفادت الحكومة الصهيونية بأن هؤلاء زمرة من المستوطنين، ومعهم بعض من جنود (الدفاع الإسرائيلي) وجميعهم يعانون من مرض عقلي. |
ويستمر الجدل والمطالبة وبعد حين يسجل التاريخ الحادثة في ذاكرته كشاهد على الظلم الفادح والواضح، وينتهي كل شيء كما أراد هؤلاء الصهاينة. |
إن الحدث جليّ ومعبّر عن الظلم بكل معانيه بل إنه مشهد يلخص الظلم وطغيان القوة وأثر الضعف وغطرسة المحتل، والقصد هنا حديث عن الظلم كأحد الشرور التي تهيمن على نفس الإنسان متى تمكّن منه، وعن الظلم قال الإمام الشافعي: |
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً |
ولج عتواً في قبيح اكتسابه |
فكله إلى صرف الليالي فإنها |
ستبدي له ما لم يكن في حسابه |
فكم قد رأينا ظالماً متمرداً |
يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه |
فعما قليل وهو في غفلاته |
أناخت صروف الحادثات ببابه |
فأصبح لا مالٍ له ولا جاهٍ يُرتجى |
ولا حسنات تُلتقى في كتابه |
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً |
وصب عليه الله سوط عذابه |
وقال الإمام أحمد بن حنبل: |
فما من يد إلا يد الله فوقها |
ولا ظالمٌ إلا سيبلى بظالم |
وقال الزهاوي عن العدل، وهو النقيض والوجه الآخر الذي يتطلع له الإنسان وينعم به، فقد قال: |
ومن ينصف الأقوام ما فات قاضياً |
وكل امرئٍ لا ينصف الله جائر |
وعن الخير الذي لا شبهة فيه، ولا يحتضن شيئاً من الظلم أو يسمح به. |
|
الخير في الناس مصنوع إذا جبلوا |
والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا |
إن للخير حيزاً من النفس كما الشر كذلك، ويتميز الإنسان حين يحاول أن يعرف شيئا عن نفسه، وما هو قوة للحياة وله ليستنهض ركائزه لتسيطر على سلوكه، ولكن حين يسمح الإنسان لهذه الشرور أن تفعل الشر فلا جدّ ولا حيّز يُقرأ معها. |
وقد تبعث بفعلها تلك نوازع من الشر عديدة فيكون هذا الإنسان الصورة والمشهد لشرير خطر، فأي شر أشر من سفك الدماء بلا حق، وبظلمٍ مبين كما يفعل الصهاينة وهم في غيّهم يلجّون. |
إن انبعاث الخير وسيطرة مفاهيمه على سلوك الإنسان لأمر ممكن وفق ما يتأمل به الإنسان نفسه ومعتقده، ويرى من أمامه قدوة الخير فيتلقى التربية السليمة التي تزرع بذورها مبكراً، فكما أن للشر مفاتيح كذلك للخير والأساس طاقة التأمل التي يمنحها الإنسان لنفسه ومعتقده وأسباب وجوده وما أوكل إليه من مهمة عمار الأرض، فحبّ النفس وحبّ الآخرين ضمانٌ يكبح النوازع الشريرة، أما أن يحب الإنسان ذاته فقط فهو ضلالٌ يدمر طاقات أخرى أصلح لعمار الحياة بأمن نفسي متميز. |
|