Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/02/2008 G Issue 12915
الخميس 01 صفر 1429   العدد  12915
مقتنياتي في مزاد علني!
حسين أبو السباع

البدلة، القميص، الجوارب، الباروكة، القبعة، الكتب، العصا، أطباق عليها توقيعات مزيفة، كلها أشياء تلفت انتباه كثير من البشر، وتحول كاميرات الفضائيات عن الأحداث الساخنة إليها باعتبارها أخباراً أيضاً مهمة، إذ تقام لها

المزادات ويُدعى إليها كبار الشخصيات، فتُباع بملايين الدولارات أو اليوروات، وتحتل مساحات كبيرة في الصحف العالمية، وبصور يعتبرها الإعلام الموجّه نادرة، فربما لا يستطيع أولئك المصورون التقاط صور لهذه التقنيات مرة أخرى قبل عشرات السنين حين تعرض في مزاد مرة أخرى.

بعد أن قرأت عن المزاد الذي أُقيم مؤخراً من أجل بيع مقتنيات الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الذي بيعت فيه قبعته فقط بعشرة آلاف يورو، قررت أن أطرح مقتنياتي للبيع في مزاد علني، ليس مهماً التوقيت الآن، أو بعد وفاتي لا يهم، المهم أن تكون المقتنيات جاهزة للبيع في أي وقت!

قررت أن أحتفظ بكل مقتنياتي والعمل على عرضها في مزاد علني، ربما أصبح ثرياً من وراء هذا المزاد، أو ربما بعد مائة عام يكتشف أحد الباحثين أن هناك سراً لم يره أحد في شخصيتي يبعث على العظمة التي تؤدي إلى بيع مقتنياتي بهذه المبالغ الرهيبة - (هذه العظمة بالضرورة لا تكتشف في حياة الإنسان، بل لا بد من اكتشافها بعد وفاته حتى تكتسب أهمية من الدعوة إلى الحفاظ على كل بقايا الراحل، حتى ولو كان حذاؤه -هكذا تعودنا-).

قررت أن أحتفظ بحذائي، وكتبي، وقبعتي، (سأشتري قبعة مستقبلاً)، وبدلتي التي أحضر بها المناسبات السعيدة، وقميصي، وحتى باقي ملابسي، سأحتفظ بها جميعاً، فمن يدري لعل المزاد الذي أنوي أن أقيمه من أجل بيع هذه المقتنيات يدر أموالاً كثيرة مثل التي يجمعها الفنانون ورجالات السياسة والكرة، وحتى الراقصات، فربما تطرح للبيع في مزاد علني بدلة رقص لراقصة كانت تعيش في القرن (العشرومية) قبل الميلاد، وقد تُباع بالملايين!

سأجمع كل ورقة طالتها يدي حتى مناديلي الورقية المستعملة، وأحتفظ بها في خزانة خاصة تضفي عليها هالة من العظمة والشعور بأهميتها، ربما تلفت نظر البعض في المستقبل لاقتنائها باعتبارها ثروة ويقام لها مزاد علني بملايين الدولارات.

ينبش بعض النصابين المروجين لمثل هذه الأفكار في كل ما حولهم من مقتنيات فيكسبونها أهمية ما للتجارة وكسب الأموال، والوسيلة تكون الدعوة إلى أن هذه الأموال ستذهب إلى الجمعيات الخيرية أو إلى الأطفال اليتامى، أو الدعوات الإنسانية، التي تمزق القلوب، المهم أن تجمع الأموال لقاء هذه المقتنيات التي أعتقد أنها لا تحمل أي قيمة ولا تسجل أي نمط تاريخي في اللحظة الراهنة، لكنها قد تحمل هذه القيمة بعد ملايين السنين حين يعمل الباحثون على اكتشاف مدننا الأثرية -حسب منظورهم وقتها- التي نسكنها الآن، ومن خلال هذه المقتنيات يستطيعون معرفة الزمن الذي كنا مع الأسف نعيش فيه، كالعجلات الحربية، أو القرى التي دفنت تحت الأرض بفعل عوامل التعرية، فربما وقتها يجد أحد هؤلاء الباحثين بعضاً من مقتنياتي أو مقتنيات غيري التي يرى سيادته أنها أولى من غيرها بالمزاد ذي الملايين التي لو وجهت توجيهاً سليماً لسدت عجز كثير من الدول التي لا يجد الناس فيها علاجاً لأمراضهم، ولا طعاماً لأطفالهم، ولا مأوى يحميهم من البرد أو لفح حر الصيف.

قد يقيم هؤلاء الباحثون لمقتنياتي مزاداً ضخماً لبيعها، أفلا يكون من الأولى أن أقيم أنا هذا المزاد بدلاً من الانتظار ملايين السنين من دون أن تعود إليَّ فائدة ما؟ ولن تعود الفائدة أيضاً على من باسمهم تُقام مثل هذه المزادات (جمعيات خيرية وما شابه).

بعد أن يموت العلماء لا يلتفت كثيرٌ منا إلى ما تركوه من علم، وإنما يلتفت إلى مقتنياتهم أكثر، فما تركوه من كتب وعصي وعباءات وأحذية يحتل مساحة أكبر من العلم الذي من المفترض أن يُقتنى للاستفادة والتعلُّم، ويتم توجيه الضوء إلى المقتنيات البالية أكثر من أي شيء آخر.. فهل تعتقدون أني سأجد مشترين وأصبح ثرياً لو عُرضت مقتنياتي في مزاد علني، أم أن هذا الفعل سيسجله البعض نوعاً من إعلان الإفلاس بكل مستوياته عدا الاقتصادية؟







aboelseba2@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد