Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/02/2008 G Issue 12915
الخميس 01 صفر 1429   العدد  12915
وجه جازان الحقيقي!
د. زيد المحيميد

ذهبت مع صاحبي الدكتور إبراهيم الحسون والمهندس محمد الشملان إلى جازان في رحلة عمل مدتها ثلاثة أيام، وكانت بداية الرحلة من بريدة، فقد كانت حجوزاتنا درجة أولى في رحلة من بريدة إلى جدة، ومن ثم إلى جازان

تفصل بين الرحلتين ساعة واحدة تقريباً، وعند ذهابنا إلى مطار القصيم تفاجأنا بأن الرحلة من جدة إلى جازان ليست بالدرجة الأولى فقد تغيرت الرحلة، وعند مناقشة أحد المسئولين في المطار قال لنا بالحرف الواحد (الله يعينكم الطائرة التي سوف تقلكم من جدة طائرة مفتوحة) ولم نكترث لكلامه، أو على الأقل لم نفهمه، وقلنا: (يعين الله)، وعند صعودنا وإقلاعنا بالطائرة المتجهة إلى جدة قلت لنفسي: (الله يعين طائرة تعبانة في انتظارنا وديرة لا أعرفها إلا باسمها ولقطات خاطفة شاهدتها في القرية التراثية في الجنادرية (مهرجان التراث والثقافة السنوي) كبعض تراث المنطقة وعاداتها وتقاليدها ناهيك عن الصورة الذهنية القديمة عن تلك المدينة، وأنا أقرأ أثناء الرحلة بتمعن صفحات من كتاب المفكر الإسلامي عبدالوهاب المسيري - شفاه الله- دراسات في الشعر).

وصلنا إلى مطار الملك عبدالعزيز - رحمه الله- في جدة ولم يمض على بقائنا ساعة حتى جاءتنا رسالة من جازان تفيد بأن الفندق الذي سبق وأن حجزنا فيه تم إلغاء الحجوزات، ولا أعرف حتى الآن السبب!، وعدلت حجوزاتنا إلى فندق آخر أقل منه درجة عن طريق مجلس التدريب التقني والمهني هناك، وقلنا (يعين الله)، بعد ذلك ركبنا الطائرة وهي عبارة عن طائرة تركية مستأجرة، وعلمنا في هذه اللحظة ما تعني كلمة صاحبنا في مطار القصيم بقوله (مفتوحة) أي ليس بها درجة أولى ولا ثانية، ولا ثالثة، وأزيد على ذلك أرقام الكراسي غير معمول بها لدى الطاقم التركي في الطائرة فشعارهم (أقرب كرسي اجلس فيه)، والخدمات فيها نظر فوضى بما تعنيه الكلمة من معنى فضلا عن أن الطائرة (إيرباص) قديمة وكبيرة جداً، وممتلئة تماماً بالبشر، كراسي صغيرة وجميلة ولكنها متسخة وضيقة تكاد تختنق وأنت جالس فيها بسبب قرب الكراسي بعضها لبعض سواء بشكل أفقي أو عمودي! إلى درجة أنك تسمع أحيانا صوت نوافذ الطائرة وهي مقلعة في الجو وأيدينا على قلوبنا حتى وصلنا بحمد الله إلى مطار جازان الإقليمي في حوالي الساعة العاشرة مساءً من يوم الاثنين الثاني عشر من محرم لعام ألف وأربعمائة وتسع وعشرين للهجرة الشريفة، وأنا لا أزال أحمل ذلك التصور القديم عن المدينة!.....

استقبلنا بحفاوة وتكريم من قبل المسئولين في مجلس التدريب التقني والمهني وعلى رأسهم المهندس ناصر آل زيدان رئيس مجلس التدريب التقني والمهني في جازان وهم مجموعة رائعة من شباب المنطقة امتزجت فيهم رحابة الصدر والطيبة وسماحة النفس والفكر الواعي الراقي يعملون بروح الفريق الواحد، إضافة إلى ذلك الطقس الممتع والجميل علما بأننا في منطقة القصيم درجة الحرارة تقترب من الصفر في تلك الأيام، وانطلقنا إلى مكان الإقامة حيث تلاحم هناك الترحاب والجود والكرم، ولا تخلو الموائد هناك من بعض الأكلات الشعبية الشهيرة مثل العصيدة، والمرسة، والحيسية، والمغش، والثريد.. فكانت نهاية قصة جميلة ممتعة في ذلك اليوم........

في صباح اليوم التالي انطلقنا إلى الكلية التقنية في جازان التي أنشأت مؤخراً فهي موقع أعمالنا الرسمية أثناء إقامتنا في جازان وخلال ذهابنا إلى مقر الكلية رأينا المخططات الجديدة المتناثرة هنا وهناك، والمشاريع الحكومية العملاقة والمتنوعة في كافة المجالات التي بدأت تعمل كورش عمل كبيرة كجامعة جازان، وخلال اليومين اللذين قضيتهما فيها شاهدت مدينة مقبلة على طفرة تنموية هائلة في جميع المجالات فهي المدينة الوحيدة في مملكتنا الحبيبة - على ما أظن- تجمع بين السهل والجبل والبحر وما يحويه من ثروات طبيعية التي تشكل لوحة جمالية متنوعة، فهي تنفرد عن باقي شقيقاتها من المدن في المملكة بتوفر تلك النواحي التنموية إضافة إلى العشرات من الجزر المتناثرة من أهمها أرخبيل جزر فرسان التي يوجد بها العديد من المواقع السياحية، وقد تم اختيارها مؤخراً ضمن المواقع السياحية بالمنطقة من قبل الهيئة العليا للسياحة، وإن كانت المواقع السياحية في فرسان كثيرة فإن المواسم السياحية عديدة منها مواسم الصيد والطيور والأسماك المهاجرة التي يحتفي بها أهل جازان ومنها سمك (الحريد) الذي يزور الجزيرة مرة كل عام في فترة لا تتجاوز سبعة أيام، وتشير المعلومات إلى أن منطقة جازان تنتج 50% من إنتاج الأسماك في المملكة، ويمثل إنتاج المنطقة من الدواجن حالياً نسبة غير قليلة من إنتاج المملكة، وتشهد تطوراً نوعياً ومستمراً في القطاع الزراعي حيث تنتج العديد من محاصيل الفواكه الاستوائية مثل المانجو والباباي والموز والتين والجوافة، وكذلك الخضار والأعلاف..... (جريدة عكاظ، السبت 13-10- 1427هـ، العدد 1966).........

نتيجة لما سبق تولي الدولة -رعاها الله- اهتماماً ملحوظاً بمنطقة جازان هذه الأيام إدراكاً لأهميتها الاستراتيجية في القطاع البحري والزراعي، وكذلك الصناعي، وما شاهدناه من إقامة مدينة اقتصادية نوعية -مؤخراً- من أجل إيجاد نقلة اقتصادية متميزة وإنعاش اقتصاد المنطقة الجنوبية بأكملها، كما سيعمل على توفير فرص عمل واسعة، وما تتمتع بها من مقومات استثمارية في المنظور القريب، وكل تلك المشاهدات تمت بفضل الله عز وجل ثم باهتمام القيادة العليا الرشيدة، وكذلك توجيه ومتابعة من مهندس التنمية الحديثة في جازان صاحب السمو الملكي أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز- حفظه الله-......

من هذا المنطلق فقد تغيرت الصورة الذهنية عن تلك المدينة، وتغير الوجه القديم إلى وجه أكثر إشراقاً يحتوي على تواقيع جديدة منها جازان السهل، جازان الجبل، جازان البحر، جازان التنمية، جازان الحب الوفاء والولاء والجمال، جازان التراث والحضارة والأدب، (جازان الفل.... مشتى الكل)، و يؤكد على تلك المعاني الوطنية الخالدة شاعر من جازان وهو إبراهيم مفتاح في ديوانه رائحة التراب حيث يقول:

دعني أقبِّلُ ظِلاًً فيكَ أنبتني

وفي تُرابكَ بالخدَّين ألتصقُ

أخيراً ذهبنا في نفس الطائرة التركية المستأجرة إلى عروس البحر الأحمر ونحن مندهشون وسعداء بما رأيناه من نموذج حي من نماذج التنمية والطفرة المعاصرة في وطننا الحبيب.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7696 ثم أرسلها إلى الكود 82244

كاتب وأكاديمي سعودي


zeidlolo@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد