Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/02/2008 G Issue 12915
الخميس 01 صفر 1429   العدد  12915

فيض الضمير
الكنز الذي نريده لأولادنا!!
د. محمد أبو بكر حميد

 

يخطئ كثير من الآباء - دون قصد - وهم يحثون أبناءهم على طلب العلم، والحصول على الشهادات العليا فيه، يخطئون عندما يربطون طلب العلم بالحصول على المزيد من المال، وتحقيق الثروة، فيصبح العلم في أذهان أبنائنا وكأنه وسيلة لهذه الغاية. وهذا مبدأ خطير، وسلوك تربوي هدام ترتبت عليه الكثير من المآسي التي نعيشها في مجتمعاتنا المادية، ولا علينا أن نعجب أن نرى الطبيب الذي يستغل علمه لابتزاز المريض بمزيد من النفقات التي لا يحتاجها مرضه دون رادع من ضمير ديني أو إنساني، وقس على هذا وأمثاله من أصحاب المهن التي لا يفهم فيها زبائنهم - أو ضحاياهم على الأصح - مثل المقاول الذي يشرف على بناء بيتك فلا يتورع في غش المواد، إلى الميكانيكي الذي يصلح سيارتك فلا يتورع أن يصطنع لك مشكلات لا وجود لها في سيارتك وقطع غيار لا تحتاجها فتدفع ثمنها وغيرهم كثير.

لو تعلم هؤلاء منذ صغرهم وتلقوا من والديهم في تربيتهم أن العمل شرف والعلم أمانة والأمانة دين، ومن خان الأمانة لا شرف عنده ولا أمانة لديه ولا دين له، لو نعلم أولادنا أن العلم ليس وسيلة إلى غاية بل غاية في ذاته لأنه يعطي الإنسان قيمة لا يستطيع المال وحده أن يعطيها له، فالمال يعين الإنسان في الحصول على العلم لكنه لا يستطيع أن يكون بديلاً له، فالإنسان قد يفقد ماله ولكنه لا يفقد علمه، فالعلم إذن ثروة لا تفنى حتى بوفاة صاحبها؛ لأنها تبقى من بعده، فمن أعظم الأعمال التي تبقى بعد وفاة الإنسان كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (عِلمُ يُنتفعُ به) يكون لهذا الإنسان في منزلة الصدقة الجارية، فلا يقلق صاحب العلم إذا لم يكن مليونيراً، فليعلم أن ما عنده باقٍ وما عند غيره يفنى.

وإذا ما زرعنا هذه القيم في أولادنا وعلمناهم أن للعلم رسالة إنسانية وقيماً سامية وأخلاق مهنة لا يخونها الإنسان مهما كلفته من ثمن ومهما اعترضه من مغريات.

نعم.. إن عليه أن يسعى بالطرق الصحيحة والشرعية للحصول على ما يعتقد أنه يستحقه دون غش أو احتيال فسيبارك الله له في الرزق الحلال وحده. وعلينا أن نُعلّم أولادنا أن الدنيا أصبحت حرباً مستمرة تتهالك على المادة، أفواه مفتوحة لا تشبع، وجيوب تبتلع فلا تمتلئ مثل نار جنهم تقول هل من مزيد. علينا أن نعلمهم أنه لم يبق كنز من كنوز الدنيا إلا وتهالك عليه الناس، وأن ما يحدث في العالم اليوم من هتك الأعراض وسفك الدماء وقتال على السلطة، وكذب وغش وخداع ومكر واحتيال ما هو إلا صراع محموم للحصول على مزيد من المال والثروة على مستوى الدول والأفراد على السواء، وأن العلم - للأسف - يوظف على مستوى الأفراد والدول لخدمة هذه الأهداف! قيل: اجتمع كعب الأحبار وعبدالله بن سلام، فقال كعب: يا ابن سلام من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم من قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطمع وشره النفس، وطلب الحوائج إلى الناس.

فلنعلم أولادنا أن الناس تكالبوا على كل كنوز الدنيا واقتتلوا دونها إلا كنزاً واحدة نفضوا أيديهم منه، وانفضوا من حوله ألا وهو (كنز القناعة)، فإن هم تمسكوا به كما أخبر نبيهم -صلى الله عليه وسلم- جاءتهم الدنيا مرغمة، وليتذكروا قوله: (من سلك طريقاً يطلب به علماً سلك الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) (رواه الترمذي).

ولا بد أن يفهم أولادنا أن كل علم يطلبه المسلم يبتغي به خدمة وطنه أو قومه أو الإنسانية لا يغش فيه ولا يخدع ولا يرتزق منه بغير وجه حق هو في سبيل الله سواء كان هذا العلم علم دين أو علم دنيا، وقد حذر نبينا -صلى الله عليه وسلم- من هذا النوع من الذين لا يبتغون بعلمهم وجه الله حين قال: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الدنيا يوم القيامة) (رواه أبوداود والترمذي).

والحقيقة أن من يطلب العلم بحق لا يبتغي به إلا وجه الله الذي يخدم به الإنسانية يوفقه الله في علمه فيحقق نجاحاً يخدم البشرية أو يكتشف علاجاً لمرض يفتك بها أو دواءً يخفف من آلامها فتنقاد له الدنيا طائعة فيشتهر وتأتيه الثروة من حث لا يحتسب، وذلك فضل الله يؤتيه الصادقين المخلصين، أما من كذب وخان بعلمه فما يأتيه من مال يتبدد كالذي يحرث البحر لا يثمر له شيء.

قال إسماعيل بن قطري القراطيسي:

حسبي بعلمي إن نفع

ما الذل إلا في الطمع

من راقب الله نزع

من سوء ما كان صنع

ما طار طير وارتفع

إلا كما طار وقع

hemaid1425@yahoo.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 777 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد