لا يخفى على متابع ظاهرة الانفجار المعرفي في المجتمع السعودي بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة تتناول معدلات الاهتمام بالقراءة والكتابة خارج المنهج، فالواقع يشير إلى أن السعوديين من كافة شرائحهم أصبحوا يحرصون على القراءة و التدوين...
، ويملكون ربما الحيز الأكبر من ظاهرة المنتديات العربية، وأن الثقافة بمختلف مشاربها لم تعد حكراً على المثقفين أو الوعاظ وعلماء الدين، ومن جولة قصيرة في عالم الإنترنت سيكتشف المهتم بهذا الشأن الحجم الهائل للأقلام السعودية، والذين يطرقون شتى مجالات المعرفة والثقافة بمختلف شؤونها، سواء كانت العلمية أو الاقتصادية أو السياسية أو الرياضية أو الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى المجلات الإليكترونية والمواقع النسائية و المدونات الشخصية.. وتختلف جودة ما تقدمه من موقع إلى آخر، ولا تخلو بعضها من العبارات المسيئة أومن أفكار في غاية الخطورة والتهديد للاستقرار.. هذا الاختراق المدهش لعالم الفضاء له علاقة مباشرة بتطور نوعي في الوعي، والحرص على المشاركة في إبداء الرأي في القضايا التي تلامس حياتهم الاجتماعية وتهدد مستقبلهم، وعن رغبة البحث عن التجربة من أجل تحقيق الذات في الطريق إلى عالم النجومية في ميدان لا يعترف بالأسماء في بادئ الأمر، لكن الشهرة والجماهيرية صنعت نجومية من نوع مختلف لهذا الأسماء في فضاء الإنترنت، وهو مادفع بعضهم إلى إلى إزالة اللثام عن شخصياتهم الحقيقة ثم الاستمرار في تحقيق ذواتهم سواء في معاقل الشبكة العنكبوتية أو في قنوات الإعلام الصحفي و المرئي. ميل المجتمع إلى التعبير عن الرأي لن يحدث بدون ضوضاء ومشاكسة مع المُسَلَّمَات، أو اختراق لسقف حرية التعبير في قنوات الإعلام الرسمي إنْ صح التعبير، لكن المفارقة كانت في محاولة الإعلام الرسمي مجاراة ذلك الانفتاح في عالم الإنترنت، وكان ذلك جلياً في بعض الصحف، وبعض القنوات الرسمية، فقد أصبح نبض الشارع هو الذي يقود الرأي في إحدى القنوات، وهو ما أدى إلى حدوث تصادم عنيف بعض الشيء بين شخصيات و إدارات حكومية وبين مقدمي وضيوف بعض البرامج، وهو ما يعني دخول المجتمع في أزمة مع ظاهرة حرية التعبير الحديثة نسبياً في واقعنا المحلي.. هذا التصادم سيؤدي إلى حالة عدم اتزان في كيفية معالجة نتائج الغضب الرسمي من نقد الشارع لبعض القرارات، وهو ما يستدعي إلى دراسة الأمر ومعالجته بعقلانية بدون محاولة سجنه مرة في زمن ما قبل الإنترنت، وهو قرار سيكون في غاية الصعوبة، وستكون له آثار من أهمها لجوء الشارع إلى السرية و إلى ممارسة الكتابة من وراء حجاب، والمؤكد أن ظاهرة التعبير عن الرأي خرجت من قببها، ولن تعود الأمور إلى زمنها في الماضي القريب، فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.. في هذا العصر أصبحت الإنسانية في موقع يؤمن أن حرية الرأي هي السبيل للخروج من أزمات الغضب والصراع والعنف والسرية، إذ تنادي لجان حقوق الإنسان المنبثقة من الأمم المتحدة، وهيئات حرية الصحافة بشكل عام بمبادئ حرية التعبير عن الرأي، وأصول الحريات (الملتزمة)، وتعزيز فهم مبادئ الديمقراطية الثقافية وترويج ثقافة التسامح واحترام الرأي الآخر في إطار الحوار السلمي بين الثقافات والأفكار. هذا بالتأكيد لا يعني أن يصبح الحبل على الغارب، فلا بد من مسؤولية، وهي مبادئ و أصول غير مرئية، وتختلف من مجتمع إلى آخر، و يظل الدين والسياسة أكبر حدَين ضد ممارسة حرية الرأي، وهما أمران حرجان، ويصعب التساهل مع نقدهما خارج إطار النقد المثالي و الملتزم بحدوده تماماً..
يأتي مفهوم حرية الرأي المسؤولة لدى المؤسسات الإعلامية الرسمية في العالم العربي على وجه التحديد بمجموعة من الموانع التي تحد من إطلاق أجنحة حرية الرأي للتحليق في سماء الفكر، وتنادي السلطات في الشرق بالتزام حرية التعبير (بالمسؤولية)، وعدم المساس بالثوابت، ونظراً لخلو تلك التعليمات من تفاصيل تعرف الثوابت وتعددها، ضاعت ماهية المسؤولية المطلوبة، وهو ما قد يؤثر على مبدأ الأمن، التي من المفترض أن يشعر بها الناقد أو الكاتب إذا قرر التطرق إلى مواضيع لها علاقة بالمسؤول، فالاختلاف حول القصد من عبارة (حرية مسؤولة) لا يزال مستمراً، وماذا يعني أن تكون مسؤولة..؟، وما هي حدودها، ولماذا تعاقب حرية الرأي وتحاكم وتحاصر في أمور لم تُقنن بعد.. وهو ما يتطلب التفكير بصوت عالٍ من أجل بناء سقف لحرية الرأي ، يتميز بالوضوح، ويحرسه تشريع وقانون من أهم مبادئة احترام حرمة المقدسات، وحماية أمن الوطن.