كثيراً ما يتداول الحديث عن الثقافة الذكورية للمجتمعات العربية، حيث تسيطر ثقافة الرجل الذكر على مدخلات ومخرجات الحياة العامة للمجتمع، ليكون نصيب المرأة في صنع القرار وتكوينه مقابل الرجل ضئيلاً جداً ومتلاشياً.
ومع أن الجانب المتطرف في فسيفساء العالم العربي هو من يقف دائماً ضد حقوق المرأة وإدماجها بالأدوار الرئيسة في المجتمع، إلا أن أدبيات هذه التيارات المتطرفة قد أحدث واختلقت نوعاً من الالتفاف على المفاهيم وتمييعها لتتكيف مع أجنداتها الخاصة وأيدولوجياتها المعقدة, ولكي لا نقع في التعميم فإننا عندما نطلق صفة التطرف على هذا التيار لا نعني به من يعارضون إعطاء هامش من الحرية للحقوق النسائية بالمجتمع بقصد ونية الحفاظ على الخصوصية الثقافية وحماية سلم القيم الاجتماعي من الاهتزازات والارتباك الحضاري، بل إن أصابع الاتهام تتجه نحو أولئك المنظوين تحت ثقافة السلاح وحوار البنادق الذين تجاوزوا تكتيكات التغرير بصغار السن من الأطفال والمراهقين واستغلالهم لتنفيذ التفجيرات الانتحارية إلى تجنيد النساء وتأزيرهن بالأحزمة الناسفة، وغسل أدمغتهم وإقناعهم بتفجير أنفسهم في الأماكن العامة المكتظة بالأبرياء ليطلقوا ظاهرة الانتحاريات، وتأنيث الإرهاب في سابقة مقيتة ومدقعة في الدموية وانعدام الإحساس الإنساني، (فشتان بين نظرية تأنيث المستقبل وتأنيث الإرهاب).
التاريخ الإسلامي والعربي يحتوي في ذاكرته الوطنية والكفاحية على أمثلة وصنوف من كفاح المرأة ومقارعتها للمحتل والمستعمر الأجنبي هي من البياض والجمال، بل والرقي الذي يجعلنا نأسف لها أيضاً ونخشى عليها من أن تشوّهها تصرفات ودمويات إرهابيات وانتحاريات العصر، كجميلة بوحريد في الجزائر، وخولة بنت الأزور في صدر الإسلام، تلك الأمثلة الراقية التي جاهدت وناضلت في ساحات الوغى وميادين المقاومة والعمل السري على حد سواء، فكانت أعمالهن وكفاحهن بمثابة نيشان الشرف والكرامة على صدر السيرة الذاتية للمرأة العربية التي لم تلطخ قناعتها السياسية أو الكفاحية بدماء الأبرياء والاستهداف الجمعي للبشر.
إن تجنيد المرأة وإقحامها في قناعات الانتحار, ومهارات الأحزمة الناسفة والقتل الجماعي، مهما كانت مسوغاته، ومبرراته، لا يعدو كونه معياراً ومعطى جديداً يدمر بشقيه السلبيين سواء كان ذلك على المستوى الميداني بما له من تدمير أمني واجتماعي أو على المستوى الفهمي ومسارات مفاهيم العقل، فقد ظلت المرأة بطبيعتها التي جبلها الله عليها مصدراً للرقة والمحبة والتجميع الأسري، والحنان العاطفي سواء للزوج أو الابن أو الأسرة، فعندما نستلخها من ذلك كله لنقذف بها في جحيم التكفير والقتل والإرهاب والكراهية فإننا لا نقتل فيها ما هو جميل فقط بقدر ما نقتل ما هو جميل بنا أيضاً وما هو طبيعي قبل ذلك.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244