في زمن التخصص، لا يجوز أن نجادل كيميائياً يتحدث عن الأوزان الذرية، أو فيزيائياً يشرحُ الكتلة والطاقة، أو نحويّاً يتداخل حول التنازع والاختصاص، مثلما لا يصح أن يتصدَّى للفتوى الشرعية إلا من توافرت فيه شروطها.
** كل هذا متفق عليه؛ غير أن القضايا الثقافية مباحة مستباحة، ولو سألت بعضهم: ما هي الثقافة؟ لأجاب: إنها المعلومات العامة، ولو ناقشته في قضايا المصطلح والخيال والظل والأسطورة والرمز والذات والمعنى والإيحاء والصورة والجمال والعاطفة لتوقَّف عند تعريفات هائمة لا شأن لها بالدلالات العلمية، كما لا تهمها - في مسائل الفكر - (الإضافة) أو (القطيعة المعرفية).
** وفي زمنٍ اعتقد (ابن خلدون) أن البيان يعتمد على أربعة كتب: للجاحظ وابن قتيبة والمبرد والقالي، أما اليوم فعلومُ اللغة والأدب - بتفرعاتها - متشابكة ضمن مداراتها الفكرية المعنية بقراءةِ القيم الثابتة والمتغيرة، وفي زمنٍ كانت قصيدة التفعيلة رمزاً للانحلال من الموروث الثقافي، ثم باتت مجرَّد إطار لنص يوظفه المبدعون بمختلف انتماءاتهم.
** أما في هذا الزمن فقد أصبح بإمكان من شاءَ مطاولة قامات ثقافية سامقة ومزاحمتهم في تخصصهم الدقيق لمجرد أن فضاءات الثقافة تأذنُ بأن يحلِّق فيها من يطير بجناحين ومن يجنحُ بطنين، وبات علماءُ ومبدعون مرتهنين لأحكام الظن والهوى والابتسار وإساءة الفهم، وربما مسّ ذلك اتهامهم بدينهم وعلاقتهم بربهم وتحريض العامة ضدّهم.
*الحقيقةُ علو لا غُلو..!
Ibrturkia@hotmail.com