لم أقرأ أياً من تلك الروايات التي فازت بالترشيح ولا أظن أني سوف أقرؤها في المستقبل، فالوقت من ذهب كما يقولون، لن أضيع وقتي في البحث عن شيء غير موجود. أمضيت أكثر من ثلاثين سنة متواصلة أقرأ الروايات وتوصلت إلى رأي يمكن أن ألخصه في أن الرواية العربية مازالت رهينة لعبة من خارجها. أداة لفعل آخر غير الفن. مليئة بالرأي والأيدلوجيا فقيرة في الخيال. مثل الأغنية في المملكة في السنوات القليلة الماضية: احتفاء بالكلمات ومؤلفيها وفقر في الموسيقى. أفضل مثال على سوء التعامل مع الرواية حدث في المملكة قبل سنتين. احتفل نقاد الجرائد الأكاديميين برواية بنات الرياض الساذجة وتجاهلوا تماما رواية طنين الخطيرة. تعبير دقيق عن الخفة وعدم الإحساس بالمسؤولية نحو الفن والفعل الثقافي.
قرأت في جريدة الحياة أن إدارة الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) أعلنت أسماء الروايات الست التي وصلت إلى القائمة النهائية. المجموعة الأخيرة التي سوف تتنافس على الجائزة الأولى. طبعا كما توقعتم ستكون كل هذه الروايات من كتاب ما يسمى عرب الشمال. لا يوجد بينهم من خليج النفط أحد. وكما توقعتم أيضا فإن الجائزة ستكون من جيوب عرب النفط. سيحصل كل كاتب من هؤلاء الكتاب على مبلغ خمسة آلاف دولار وسيكون نصيب الفائز الأول مبلغ خمسين ألف دولار. (نعمة من الله). وكما هي العادة لا يوجد بين لجنة التحكيم خليجي واحد. للحق أول مرة أسمع عن شيء اسمه جائزة بوكر عربية ولا أدري هل لها علاقة بجائزة البوكر العالمية المعروفة أم لا. هذا لا يهم على أي حال. فالمسألة تتعلق بالفعل الثقافي والتمويل. لا يمكن أن ينمو فعل ثقافي دون دعم من الدول نفسها. لا يعني هذا أن الدولة تقوم بكل شيء ولكن على الدول أن تبدأ كل شيء. إذا تحدثنا عن الجوائز سوف تكون الدولة مسؤولة عن وجود جوائز تخصها. من المؤكد أن جوائز الدولة، أي دولة، ستكون ضحية البيروقراطية والمحسوبية والتحيز وغيرها ولكنها تبقى أساسا للتناسل ولتخرج منها جوائز أكثر احترافية. تضع المؤسسات الحكومية قواعد اللعبة الأولى. دون هذه البداية لا يمكن أن تتخلق المؤسسات الثقافية المدنية التي تطور الوعي والثقافة بشكل منهجي. هذا ما فاز به إخواننا عرب الشمال. إذا ذهبنا إلى مصر على سبيل المثال سنعرف أن هناك جائزة الدولة التقديرية للسينما والأدب والمسرح وغير ذلك. هذا النوع من الجوائز ليس اختراعا عربيا. أخذه إخواننا من الغرب. وفرت هذه الجوائز الرسمية ثقافة التشجيع والدعم ووفرت الخبرة وبالتالي سيطر إخواننا العرب على هذه الجوائز داخل بلادهم وخارجها لتأخذ هذه السيطرة بعدا أيدلوجيا وسياسيا ويصبح العمل الخليجي والسعودي خارج المنافسة ويقتصر على التمويل. إن انتصار نقاد الأدب في المملكة لسذاجة بنات الرياض على رصانة طنين هو تعبير عن غياب القدرة على التقييم الذي لن يأتي في ظل غياب العمل المؤسساتي.
فاكس: 4702164
Yarabakeet@gmail.com