كرّم الله عزَّ وجلَّ الإنسانَ فجعله أفضل المخلوقات على الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، وحمَّله الأمانة الكبرى دون سواه من المخلوقات، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
وقد ختم الله رسالاته للبشر برسالة الإسلام التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليس لقومه فقط، وليس للعرب فقط، بل للإنسانية جمعاء {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
وقد بشرت الرسالتان الكبيرتان اللتان سبقتا الإسلام وهما اليهودية التي جاء بها سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام والمسيحية التي جاء بها سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام برسالة محمد عليه الصلاة والسلام {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ}.
كما أن أبو الأنبياء والرسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بشَّر قبل ذلك بالإسلام الحنيف وبرسوله صلى الله عليه وسلم {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
والإسلام أظهره الله عزَّ وجلَّ بسبب نصرة الله أولاً له ولأنه جاء بمبادئ إنسانية سامية ومنها:
- احترام الإنسانية {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}.
- الدعوة للإسلام بالحسنى واللين {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
- عدم الإكرام لدخول الإسلام، بل يترك ذلك لحرية الإنسان {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
- احترام أهل الأديان السابقة والتعايش معهم، بل والزواج من نسائهم والأكل من طعامهم {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}.
كما ورد في السنَّة الشريفة ما يدل على وجوب احترام أهل الأديان السابقة (من قتل معاهداً فأنا حجيجه يوم القيامة ومن كنت حجيجه حججته).
من هذه المبادئ السامية جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في الحفل الذي أقامه مؤخراً لرؤساء الدول ورؤساء بعثات الحج، فقد عكس هذا الخطاب المبادئ الإنسانية التي جاء بها الإسلام ومنها:
- التأكيد على مبادئ الإسلام في التسامح والتعايش وإعمار الأرض.
- صون كرامة الإنسان بغض النظر عن قوميته أو لونه أو لغته أو عقيدته.
- الالتفاف حول القيم الموحدة التي جاءت بها مختلف الأديان وفي مقدمتها الإيمان بالله سبحانه وتعالى وإخلاص العبادة له.
- احترام بلادنا للأديان السابقة انطلاقاً من احترام الإسلام لها، ولأن تلك الأديان تتفق مع ديننا الحنيف في الكثير من المبادئ السامية، ولأن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أساس تلك الأديان، فسيدنا موسى وسيدنا عيسى يرجعان في نسبهما إلى سيدنا اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يرجع في نسبه إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فالنسب واحد وأصل الأديان الثلاثة واحد، وهو إخلاص العبادة لله عزَّ وجلَّ.
- تركيز خادم الحرمين الشريفين - نصره الله - على الأسرة وأهميتها في بناء المجتمع الصالح المنتج، فالأسرة هي عماد المجتمع، فإن صلحت صلح المجتمع بكامله، وإن ساءت أثَّر ذلك على المجتمع، وخادم الحرمين الشريفين في اهتمامه بالأسرة إنما يؤكد ما ورد في النظام الأساسي للحكم الذي أورد أن الأسرة هي عماد المجتمع السعودي لكونها أبلغ في إصلاح الأفراد وتقويمهم من المصطلحات الأخرى كالعشيرة أو القبيلة.
- التأكيد على أهمية حوار الأديان والتصالح بينها لما يترتب على ذلك من استفادة البشرية من الجوانب الثقافية والأخلاقية التي جاءت بها هذه الأديان وما توصل إليه تابعو هذه الأديان في هذه الجوانب.
- التطلع إلى عالم يسوده السلام والتفاهم والتعاون والعيش المشترك ونبذ ما يتعارض مع هذه المعاني من الحروب والإرهاب وتجاهل الآخرين.
وبعد، فإن هذه المبادئ السامية التي وردت في خطاب خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - والأسس التي استندت إليها تحمل رداً بليغاً على دعاة العزلة والغلو والتطرف والإكراه والإرهاب التي ينبذها ديننا الحنيف، باعتبار أن هذه المبادئ الكريمة قد جاءت من ولي أمر هذه البلاد المقدسة قبلة المسلمين، فقد أساء هؤلاء للإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، فجميعنا نتذكر المكانة والتقدير الذي كان المسلمون يحظون به في سائر أنحاء العالم قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما لحق المسلمين وتلك المكاتب الدعوية والجمعيات الخيرية من أضرار بعد تلك الأحداث، بل إن تلك الأضرار أثَّرت على الأقليات المسلمة في كثير من دول العالم. فخطاب خادم الحرمين الشريفين - أعزه الله - سوف يسهم - بإذن الله - في تجاوز تلك السلبيات وما ترتب عليها من أضرار على الإسلام والمسلمين. فالخطاب الملكي جاء يحمل مدلولات دينية وسياسية وثقافية.
وفق الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين لما فيه خير ديننا وبلادنا.
الوكيل المساعد بوزارة الخدمة المدنية
Asunaidi@mcs.gov.sa