قرر طفلي عبدالملك ذو (التسع سنوات) أن يتغيب عن المدرسة يوم الأربعاء 8 المحرم 1429هـ الموافق 16 يناير 2008م، مبرراً هذا القرار الفردي أن المعلمين لن يقدموا دروساً أو موضوعات جديدة، إنهم سيكتفون بالمراجعة، وبالذات للمواد التي لم يتم تقويم الطالب فيها، وعليه احترمت قراره وقبلت تبريره وسكت عنه، خصوصاً أنه غير معتاد الغياب أو محب له، مع مراعاة أن قبول التبرير سواء عن قناعة أو عدمها ليس السبب الرئيس في احترام قرار عبدالملك، إنما أردت أن أستغل هذه الخطوة التي اتخذها طفلي بشكل إيجابي من جهتي، وذلك بتمرينه على الشجاعة الأدبية، وتمكينه من أن يكون له دور أساس في صياغة القرارات العائلية وتحديداً التي تتعلق بشخصه أو حياته، لأن ثقافتنا الاجتماعية ما زالت تعاني آفات الأنماط السلوكية التي نمارسها تجاه أطفالنا، مثل: (الإكراه) على فعل أشياء معينة غير مقنعة بالنسبة للطفل، أو (المنع) منها ولو كانت في فلك رغبته النفسية، أو (مصادرة رأيه) حتى لو كان بسيطاً أو تافهاً، أو (تحجيم شخصيته) بالتقريع والسخرية وهو في سني التوقد الاجتماعي والتطلع للمستقبل الواعد، والمصيبة عندما يكون فعلنا هذا أمام الآخرين.
لذلك أجد أن حملة (مقاطعة الألبان) التي أطلقها مجموعة من المواطنين عبر بعض المواقع الإلكترونية في الرابع من المحرم 1429هـ رداً على رفع أسعار منتجات الألبان الذي قامت به شركات الألبان الوطنية، وتزامن هذه الحملة الشعبية مع حملة رسمية قامت بها وزارتا الصحة والتربية والتعليم لتشجيع الأطفال على (شرب الحليب) يوم الثالث من المحرم 1429هـ، تشكل (فرصة ذهبية) لتدريب أطفالنا على فهم أبعاد القضايا الساخنة في حياتنا رغم برودة الجو، ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة والمتوافقة مع معطيات الواقع ومبررات المنطق، بمعنى أن تنزل إلى مستواهم، وتفتح حلقة نقاش جماعي تتمتع بأقصى درجات (حرية التعبير) مع طفلك أو أطفالك، لاستطلاع رأيهم ثم معرفة قراراتهم لو كان الأمر بيدهم وليس بيدك، شريطة ألا تكون هناك أي مؤثرات خارجية أو ضغط نفسي عليهم من قبلك أو قبل زوجتك، وأن تكون صورة الواقع واضحة تماماً، بحيث يكون القرار معبراً عن تأييده للمقاطعة أو رفضها المبني على وعيه أو فهمه لمسألة ارتفاع أسعار السلع التي يسمع عنها وانعكاس ذلك على ميزانية أسرته وصولاً إلى مصروفه الشخصي، ثم ارتباط كل ذلك بمدى قناعته بشرب الحليب لأسباب صحية حتى لو كان لا يشرب الحليب أصلاً، كي يتعلم قراءة الواقع المعاش وترتيب الأولويات الحياتية، حتى يصدر قراره الذاتي المعبر بكل تجرد عن شخصيته الحقيقية التي تتداخل فيها الرغبات النفسية مع التقديرات العقلية، بغض النظر إن كان رأيه متعارضاً مع قرارك أو توجه الأسرة ككل.
بتقديري أنك ستكتشف عالماً آخر بإذن الله، عالماً عفوياً في حديثه عن الأشياء، وصادقاً في تقريره للأمور، بل قد تسمع آراء لم تخطر ببالك، فضلاً عن أنك ستكسب طفلك إلى جانبك، كونه سيشعر بانعدام الحواجز الاجتماعية والفوارق السنية والاعتبارات العائلية بينكما، فيراك صديقاً يسر إليه ويعلن له رأيه، لذلك حاول أن تجعل طفلك يعبر عن رأيه ويصنع قراره لأن ذلك قيمة أساسية في بناء شخصيته، خصوصاً في خضم قضايا ساخنة وواقعية نعيشها، وليست قضايا مفترضة في الخيال تحت بند (لو كان كذا) لأن ميزة الأولى أنها تأتي برأي الطفل الحقيقي، بينما عيب الأخرى أنها تأتي بالرأي الافتراضي له.
kanaan999@hotmail.com