| |
الجسامة والوسامة محمد أبو حمرا
|
|
عُرف عن العرب في جاهليتهم وإسلامهم تعلُّقهم بالإبل، وكانت تُعتبر رأسمال العربي القادر على حمايتها، ومن مواصفات الإبل أن تكون ذات جسامة أي كبيرة الجسم، ولم يرد عنهم أنهم وصفوها بالجمال أبداً، ولم نقرأ في موروثهم وصفها بالجمال أبداً، بل الذي قرأناه وسمعناه قولهم: (الجسامة للإبل والوسامة للنساء)، فتُوصف الناقة بأنها جسيمة وتوصف المرأة بأنها وسيمة، وشتّان بين الوصفين. وأقر الإسلام حب العرب للإبل، فجعل عدداً منها لديات القتلى، وأخبر عن أن هداية رجل واحد للإسلام (خير من حمر النعم)، وقد جعلها الله للركوب وتحصيل اللبن منها والوبر والجلود ونحوه مما فيه فائدة للإنسان، واستعملها الفاتحون في فتوحاتهم والراحلون في ترحالهم، بل جعلها المحاربون فيما يُسمى عند البادية المناخ جعلوها وقاية لهم بأن يسوقوها على الأعداء لتدكهم ثم يتبعها الفرسان (.... سَوّاقة المغتر على الحربية) أي من يسوقونها على محاربيهم دون التفكير في أقيامها والشح بها.. ولأنه لم يُوجد عند العرب إلا الإبل كحيوان كبير الحجم، أي لأنه لم يُوجد عندهم فيل أو حوت أو نحوه، فقد ضرب الله لهم مثلاً في التبصُّر في جسامة الإبل وقوتها وتحمُّلها للجوع والعطش فقد قال تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}.. وليس هنا ما يدل على جمالها، بل على العجب والتعجُّب في خلقتها المخيفة والمعقدة من حيث اختزانها لأكلها ومائها. والذي عُرف عن العرب من حيث التفاخر بالإبل هو نحرها للجائعين والضيوف كعلامة على الكرم، فيقولون: فلان نحَّار للجزر.. ولم يقولوا إنه كان يماري بها، أو يستعرض بها قط. ومما جاء في كتب التراث أن مناحرة حصلت بين حيّين من أحياء العرب، حيث تناحر الدارمي والرياحي في عصر الخليفة علي بن أبي طالب، فنحر أحدهما 100 ناقة جسيمة ونحر الآخر 150، وهكذا صار كل منهما ينحر أكثر من صاحبه، حتى كثر اللحم وكثر الذين يكثرون الشواء والطبخ، وصار الرجل يأخذ الناقة كاملة إلى بيته من الكثرة، لكن ما هو رد فعل الخليفة الذي عاصر سيد المرسلين وهو الخليفة الرابع علي بن أبي طالب؟ لقد كرّه إلى الناس أكل ما نحره الرياحي والدارمي، لأن ذلك إسراف، لا كرم ولا صدقة.. وكان الناس قبل عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ينحرون الإبل لضيوفهم وجيرانهم، لأن الناس يأكلون اللحم لندرته، ولأنهم يملكون حمر النعم ذاتها. وبعد أن ارتفع سعر الإبل صار الناس يتحايلون على الكرم الموروث، فصاروا يُقدّمون صغار الإبل وهو ما يُسمى (الحاشي)، الذي كثيراً ما يستورد من خارج الحدود.. ولم يقدر أحد أو لم يسمح له كرمه بأن ينحر من إبله التي (يماري) بها فقط.. وهنا فرق بين الإبل التي لها شأن وغيرها.. ولله في خلقه شؤون.
(*)فاكس 2372911
|
|
|
| |
|