| |
هذرلوجيا المعاقون (1) سليمان الفليح
|
|
فيما كنت في قمة التأزم النفسي والمادي والعائلي والاجتماعي والعملي والفكري والسياسي في آن واحد وفي يوم واحد (!!) فجأة رن هاتفي الجوال وكان يضيء برقم لا أعرفه وقلت في ذاتي (المتخمة) بالتأزمات إنه لا شك يحمل لي تأزماً (ثامناً) لا أستطيع إزاءه سوى الانهيار(!!). وقلت لعلي أتجاهله ما استطعت مع أنني أمقت بل وأحتقر كل من يتجاهل مهاتفة الآخرين، وكنت أقول لكل الأصدقاء الذين (أمون) عليهم إن الرجل الذي يتجاهل هواتف الناس إما أن يكون مسؤولاً كبيراً ترهقه كثرة المهاتفات التي تمتد طوال النهار، أو يكون (نصاباً) كبيراً يطارده الآخرون أو أن يكون مريضاً بداء (العظمة) ويتجاهل الآخرين أمام الآخرين لكي يعطي نفسه أهمية (وهمية) يدّعيها ويحلم بها أمام الآخرين. *** ما علينا من ذلك كله فالمهم أنني وفي حالاتي السبع كلها ولكي أكشفها صراحة للقراء بلا مواربة كنت - مثلاً - أعاني إفلاساً مادياً قاهراً للدرجة التي لم أستطع بها أن أقدم (عانيه) لعرس صديق عزيز (!!) أما التأزم العائلي فقد فوجئت بأن رفيقة العمر والأيام الصعبة (أم سامي) تعاني الضغط والسكري في آن واحد، أما التأزم الاجتماعي فقد علمت أن رجلين من أبناء عمي القريبين جداً قد تعرضا إلى حادثين مؤسفين: أما الأول فقد عاودته الجلطة في الكويت وأما الثاني وهو شاب في ريعان الصبا فقد انقلبت به سيارته على طريق الرقعي والحفر وقد انكسر ضلعان من أضلاعه الناحلة. أما التأزم العملي فقد صادف في ذلك اليوم المشؤوم أن رئيس التحرير قد ألغى لي مقالة كنت أعتقد أنها ليست جديرة بالإلغاء. أما التأزم الفكري فإنني رغم انتظاري الطويل لقراءة رائد السريالية العربية (جورج شحادة) والذي صدرت أغلب قصائده في مشروع (كتاب في جريدة) لم يكن أو لم تكن الترجمة بالمستوى الذي كنت أتوق إلى تذوقه، ولا حتى برسوم (أدونيس) المخلوب به(!!) والذي تنحى أمامه كشاعر وجلس بجانبه كرسام تعيس لا يحسن الرسم، بالرغم من أن أدونيس يعتبر معلم الحداثة العربي الأول في عصرنا الشعري الحديث. أما التأزم السياسي الذي كنت أعانيه كأي فرد من هذا العالم الثالث الحزين فأنني أسمع هذه المكابرة الإيرانية الهوجاء أمام نظام عالمي أهوج لا يعرف إلا القوة والحرب والدمار والمكابرة. *** أقول فيما كنت في كل هذه التأزمات فجأة (رن) هاتفي الجوال مرة أخرى وحملته لكي لا أكون من تلكم الأصناف التي ذكرتها في أول المقال وجاء الصوت واثقاً وحميماً ومعاتباً هكذا: اسمع يا سليمان الفليح.. أنا (يحيى الزهراني) أحد (المعوقين) في هذا الوطن. إنني أعتب عليك وعلى كل الكتّاب الذين يدّعون تناول القضايا الإنسانية.. إن لنا نحن المعوقين قضايا لا تعرفون عنها شيئاً، ولقد دعونا بعضكم لنسمعهم صوتنا، ولكننا لم نسمع صوتهم، فلماذا يكذبون على المجتمع بادعائهم الإنسانية؟! ولكي لا تكون متخاذلاً وكاذباً مثلهم، إنني أدعوك إلى (استراحة المعوقين) لكي تستمع إليهم ويسمعوا منك، وإلا ستكون مثلهم لا محالة. *** حقيقة خجلت من المبادأة وقلت له: عفواً أنت تقصد (ذوي الاحتياجات الخاصة) قال لي صاهلاً: كل إنسان له احتياجات خاصة ولكن التسمية الحقيقية لنا نحن (المعوقون). وهنا قلت له يا أستاذ يحيى: ليس هنالك مخلوق في الدنيا ليس لديه إعاقة فالحزين معاق ومن لديه أي مرض فهو معاق بدءاً من مرضى السكري حتى مرضى السرطان، ومن لديه مشكلة اجتماعية فهو معاق، ومن لديه مشكلة مادية فهو معاق، ومن لديه مشكلة سياسية فهو معاق.. أنتم لستم معاقين فالمعاق هو المعاق فكرياً الذي يؤذي المجتمع ويحاول إعاقة التقدم الاجتماعي، والمعاق هو المعاق نفسياً الذي يؤذي المجتمع بالجريمة والقتل والسلب، والمعاق هو المعاق سياسياً الذي يشعل الحروب في الكرة الأرضية.. ونكمل فيما بعد.
|
|
|
| |
|