| |
بين فصل التوائم وتضخُّم الشرايين.. الجهاد بأرقى معانيه عبد الرحمن الشبيلي
|
|
بعيداً عن المحيط الإعلامي المكفهرّ الأجواء، والأهل الأبرياء في فلسطين والعراق ولبنان يعيشون مناخات معتمة، ملبّدة بالفوضى والإحباط، وظروفاً محزنةً تعيسة بين قوى تتصارع وميليشيات تتناحر، ولا يدري المواطن هناك متى ستفتح لهم السماء بشائر الأمن والإنقاذ. وبينما تحيط بنا في مجتمعنا أجواء تحتدم فيها الآراء والمواقف المتباينة حول حال التعليم، وتداعيات الانهيار المتكرر لسوق الأسهم، فضلاً عن أسباب التطرف وانحرافات الفكر، إلى غير ذلك من شواغل الذهن والأقلام ومواقع الإنترنت. في هذه الآفاق المدلهمة أحياناً، المُقلقة في أحيان أخرى، ترنو الأنظار إلى نوافذ تشرق منها أضواء الأمل والتفاؤل، وتسعد الخواطر والنفوس، وتؤكد أن الحياة وما فيها من كدر وضيق لا تخلو من البهجة والفرج والرجاء. كنا قبل أسابيع عشنا إنجازين طبيين على درجة عالية من الدقة والأهمية، يتحققان في مشافي المملكة العربية السعودية، إنجازين لا يمكن وصفهما علمياً وإعلامياً بأقل من العالمية والتقدم والتميّز في الطب والجراحة وإسعاد البشرية. أما الإنجاز الأول فقد أفرزت له وسائل الإعلام عند حدوثه وما تزال حيّزاً يليق بأهميته، وهو فصل التوأمين السياميتين العراقيتين، المجال الذي برع فيه الفريق الطبي المتخصص في مستشفى الملك فهد التابع للحرس الوطني بالرياض وأجرى فيه عدة عمليات فصل مماثلة ناجحة، لكن نسبة الخطورة في هذه الحالة الأخيرة تظل الأكبر بين سابقاتها، كما أنها الأكثر تعقيداً. وأما الإنجاز الثاني فقد مرّ على صحافتنا مرور الكرام قبل ثلاثة أسابيع، عبر زاوية صغيرة تحدثت عن فتح طبي كبير تمكن خلاله أطباء جراحة الشرايين في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض من علاج تورُّم (تضخُّم) في الشريان الأورطي البطني (أم الدماء) عن طريق (قسطرة) لتمرير دعامة تحمي الشريان من احتمالات انفجار قاتل (بنسبة 90% لا قدَّر الله)، وهو المسمى (أنيوريزم (Aneurisme لم أكن لأفهم مدى دقة هذه العملية وخطورتها المتناهية التي تفوق عمليات القلب المفتوح لولا أنني وقفت مؤخراً على حالات لمرضى كانوا يضطرون إلى إجرائها في أمريكا وأوروبا مع نسبة عالية من المجازفة بالحياة واحتمالات التعرُّض للشلل. وبالأمس، عُرض الحوار التلفزيوني الشيّق للتجربة الطويلة للطبيب القدير محمد الفقيه التي أسفرت عن إعداد جيل من الأطباء عَمَروا مركز الأمير سلطان لأمراض القلب، وكشفت كيف يمكن للشاب أن يوجّه عقله وفكره وحواسه لخدمة مجتمعه، ورفعة وطنه، والانشغال بهموم مواطنيه. أعود فأقول: إن مجتمعاتنا العربية تغرق في همّ الإرهاب وصنوفه الفكرية والجنائية والسياسية، وتلهو بتيارات الجدل حول الحداثية والطائفية، بينما ينهمك شباب مخلصون بعيداً عن الأضواء، يُبدعون في أرقى أنواع خدمة البشرية، وهي حياة الإنسان والارتقاء بصحته وإسعاد أسرته، ويوظفون فكرهم وعلمهم في المعامل والمختبرات والأبحاث خدمةً لهذه الأعراض النبيلة. إنها نوافذ تسطع منها الشمس في أنفاق خانقة يخيم عليها الإحباط وضيق الصدر. وهي صنوف من الجهاد الحقيقي (جهاد العلم) بأرقى صوره ومعانيه، جهاد يسعى لإحياء الفرد والمجتمع، لا إلى قتله وتدميره وإرهابه.
|
|
|
| |
|