| |
الصهيل الأبكم! سلوى أبو مدين/ دمشق
|
|
في صباح أبيض قادني الألم بسبب كسر في قدمي إلى عيادة طبيب العظمية، استوقفت عربة لتقلني حيث علاجي! ركبت عربة صغيرة، عندها تحدثت للسائق إلى المكان المقصود، فهز إليّ رأسه، فأعدت عليه كلماتي خشية أن يكون لم يسمعني، لكنه التفت إليّ وقال لي بصوت بالكاد يُسمع: لا أستطيع الكلام، لقد أزالوا لي الحنجرة! تسمَّرت في مقعدي، وكانت دهشتي باتساع الكون، استجمعتُ قواي قليلاً وقلبي يطرق كمعول في أرض جرداء، ثم أردف (إنه السرطان)، سيزرعون لي جهازاً في حنجرتي. كادت الأرض تميد بي من كلماته التي وقعت عليّ كالصاعقة، ردّدت على مسمعه: شفاك الله! ثم قال بالإشارة وفهمتُ مقصده: ما به قدمكِ؟ قلتُ: كسر في القدم! تبدَّلت ملامحه وقرأت فيها الدعاء لي بالشفاء العاجل! طلبتُ منه على استحياء انتظاري أمام العيادة ريثما أنتهي لشدة الازدحام في الحصول على عربة في ذاك الوقت، فردّ بإيماءة وابتسامة هادئة. مضيتُ إلى طريقي وأنا أفكر في حال هذا الإنسان الذي لقيني بهدوء لم أعهده من أحد قبله، وبقلب أبعد من السماء وأكبر من البحر. ولكن لسوء حظي السيئ انتظرت طويلاً بين المارة علّني أجده أخرى، لكنه غاب في الزحام! على مفرق الصباح البنفسجي في مدينة صاخبة كتب صمته في وجوه المارة فوق جدار العراء والطرقات وفوق الشفاه، ربما ينتظر قليلاً الزمن الآيل للرحيل. هناك حين تتَّحد الأشياء إلا من حكايات ازدحمت بذكريات الناس يمضي وحيداً بحقيبة صماء، يعبر فيما تبقى الوقت الكاذب. ربما يترك رفات العمر يطرحها فوق الطرقات، يرسمها في وجه الليل. هذه بقايا حكايا قابعة في فم الريح كتبتها المفردات لوجه ظامئ، كي تكون ذكرى مبعثرة في غفلة الزحام.
|
|
|
| |
|