| |
بل الخطاب الديني ليس مفككاً
|
|
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الموقر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: تعقيبا على المقال المنشور في عدد يوم 15-11-1427هـ حول محاضرة تجديد الخطاب الديني للدكتور سلمان العودة في إحدى أكاديميات الرياض الأهلية، حيث نص على أن الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي، وأن الأمة تعيش في تيه ودوران تدور فيه حول نفسها، وفي نظره أن علاج هذا التفكك والتيه الذي يزعمه هو تجديد الخطاب الديني.. أقول: لقد أخطأت في قولك ولم يصب اجتهادك؛ فالخطاب الديني الذي عمدت إلى تجديده - وتقصد به بيان العلماء والدعاة أحكام الدين للناس ودعوتهم إلى الله - أقول هذا الخطاب ليس مفككا كما قلت، وكيف يكون مفككا وقد تكاتف العلماء والدعاة والمصلحون وتضافرت جهودهم في الدعوة إلى الله ومخاطبة الناس لبيان أحكام دينهم بالخطاب والأسلوب الشرعي الذي أمرهم الله به، فدعوا إلى الله وخاطبوا الناس بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة، امتثالا لأمره سبحانه {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وتدرجوا في دعوة الناس إلى الله، وفي مخاطبتهم بأحكام دينهم مراعين في ذلك أحوالهم وأزمانهم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، حيث بقي في مكة أكثر من عشر سنين يقرر العقيدة في نفوس الصحابة، فلما استقرت هذه العقيدة شرع في مخاطبتهم ببقية شرائع الدين، بعدما هاجر إلى المدينة. فهذا هو الأسلوب الشرعي والخطاب الديني الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وامتثله المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسار عليه صحابته الكرام وورثه من بعدهم العلماء والدعاة والمصلحون، وسار على ذلك القرون المتوالية والأزمان المتطاولة إلى يومنا هذا، فهل نحتاج الآن إلى تجديده؟. لقد جرى على الأمة من المحن والمصائب والفتن، ومر بها فترات من الضعف والهزيمة وتسلط الأعداء، ولم ينقل عن أحد من علمائها التكلف في تجديد خطابها الديني لمقابلة عدوها أو لدفع تلك المحن والفتن والمصائب عنها، بل وجهوا الأمة إلى ضرورة التمسك بمصادرها الأصيلة (الكتاب والسنة)؛ لئلا تضلها الفتن وتغرقها في بحور الظلمات، فهذا هو العلاج الأمثل الذي ينجي الله به الأمة حال وقوع الفتن وتسلط الأعداء، ويعيد لها به مجدها وعزها حين تضعف وتهون، ويجمع به شملها ويوحد به صفها، ويتم لها به الأمن والاستقرار ورغد العيش. فالأمة الآن ليست بحاجة إلى شيء قدر حاجتها إلى تمسكها بمصادرها الأصيلة (الكتاب والسنة)، قولا وعملا، وكلما تخلفت عن هذين المصدرين حصل لها من الضعف والهزيمة وتسلط الأعداء بقدر تخلفها عن مصادرها، والواقع يشهد لذلك. ثانيا: استدل د. العودة لتجديد الخطاب الديني بحديث: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) والمتأمل لمعنى الحديث يتضح له ضعف الاستدلال به في هذا المقام، فالحديث يدل على أنه حين يندثر الدين وتتغير معالمه ويطبق الجهل والشرك والبدع على عامة الناس، فإن الله يقيض لدينه من يجدده لعباده، لتظهر شعائره وآثاره وترتفع معالمه، كما هو الحال في هذه الجزيرة حين اندثرت معالم الدين فيها وعمّ الشرك وراجت البدع، فقيض الله الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لتجديد معالم الدين فيها، فارتفعت بدعوته راية التوحيد واعتلت معالم الإسلام وسانده في ذلك الإمام القائد محمد بن سعود رحمه الله، فنفع الله بهذه الدعوة المباركة أهل الجزيرة وغيرهم، ولا يزال أثرها ونفعها يعم هذا البلد وغيره من بلاد المسلمين. فهل يقال بعد هذه الدعوة وهذا التجديد الذي قام به الإمامان المجددان محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، ونحن نعيش الآن آثار هذه الدعوة المباركة في رغد عيش واستقرار وأمن ورخاء ونعمة، هل يقال بعد هذا إننا بحاجة إلى تجديد خطابنا الديني؟. إن الذي يجب أن يقال لنحفظ مجتمعنا من التفكك والتفرق والاختلاف هو لزوم المنهج الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وأمر أمته بلزومه والسير عليه بقوله (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضو عليها بالنواجذ)، وقد نهجته هذه الدولة الموفقة منذ تأسيسها تسير عليه بخطى ثابتة.
علي بن فهد أبابطين عضو هيئة التدريس في الكلية التقنية ببريدة
|
|
|
| |
|