| |
الأعمال الخيرية بين فضيلة الإبداء وثقافة الإخفاء د. عقيل بن محمد العقيل
|
|
اتصل بي معالي الأستاذ عبد الله النعيم رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية معاتباً، لما طرحته في مقالات سابقة في هذه الصحيفة تتمحور حول دور المانحين في توجيه وتطوير العمل الخيري في بلادنا ليلعب دوره الحقيقي بما يجعله يتكامل مع القطاعين العام والخاص في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد، ولقد زرته في مكتبه بمكتبة الملك فهد الوطنية حيث أثار لي حقيقة أن هناك ظلماً إعلامياً واقعاً على الميسورين من أبناء بلادنا بالرغم من ما يبذلونه في كافة أوجه الخير الإغاثي والتنموي سواء بسواء، ولقد عجبت من كم المعلومات التي تسكن في ثنايا عقل هذا الرجل المعطاء دون أن تصل لعامة المواطنين مما عرضني لمزيج من مشاعر الغبطة والألم في نفس اللحظة. نعم فرحت بما يبذله الميسورون من أبناء بلدي وبنتائج أعمالهم الخيرية، كما آلمتني السياسة الإعلامية المتبعة بالتعتيم على هذه العطاءات ونتائجها الإيجابية التي دون شك لو أخذت حقها بالتعريف لأنصفت الميسورين من ناحية ولكانت دعوة للمزيد من العطاء والسخاء من ناحية أخرى. وبظني أن ثقافة إخفاء الصدقة {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} سورة البقرة (271)، قد عممت على جميع الأحوال رغم أن الإخفاء هنا بهدف حفظ كرامة المحتاجين والمعوزين بالدرجة الأولي، والإبداء للصدقة يأتي من باب تشجيع الآخرين على هذا الفعل الكريم خاصة إذا كانت الصدقة عامة لا تمس فرداً بذاته كما حصل عندما جهز سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه جيش العسرة (ما ضر عثمان بعد اليوم). ثقافة الإخفاء لم تكن عامة إذ إن الكثير من القائمين على الأعمال الخيرية الإغاثية لا التنموية قاموا بالتعريف بالمتبرعين في هذه المجالات من رجال الأعمال والثناء عليهم وتوظيفهم كنماذج لحثّ الآخرين على البذل والعطاء ولقد كان ذلك في كثير من الأحيان يبث على المحطات التلفازية مباشرة مما جعلنا نظن جميعاً أن الميسورين من بلادنا يركزون إنفاقهم على الجوانب الإغاثية وبناء المساجد ويحجمون عن الإنفاق على الجوانب التنموية كالتعليم والتدريب والثقافة والتوعية والخدمات الاجتماعية والصحية كبناء وتشغيل المكتبات العامة وبناء وتشغيل المستشفيات وكفالة طلبة العلم في كافة مجالاته الشرعية وغير الشرعية. ولذلك ظننا بأن الحملة الدولية ضد الإرهاب ستصيب العمل الخيري السعودي بمقتل لأنه متركز في العمل الإغاثي الذي أصبح متداخلاً بصورة أو بأخرى بدعم الإرهاب، نعم فمن أراد أن يغيث اليوم الشعب الفلسطيني المحاصر أو الشعب الأفغاني أو العراقي الذي يعاني من الفقر ونقص شديد في الخدمات الأساسية سيدخل ضمن دائرة ممولي الإرهاب. ونتيجة لهذا الظن تساءلت في مقالة سابقة حول إذا ما كان رجال الأعمال سيوجهون العمل الخيري في بلادنا في القادم من الأيام إلى فضاءات أرحب وأوسع وأشمل بعيداً عن تهم الإرهاب مبدياً رغبتي بتوجيه العمل الخيري نحو الجوانب التنموية كالتعليم والتدريب ودعم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ورعاية المكتبات ودور العلم والأنشطة الاجتماعية. دعوتي هذه المبنية على ما لدي من معلومات أثارت الأخوة القائمين على الأعمال الخيرية التنموية الممولة من قبل الميسورين الكرماء من رجال الأعمال لاعتقادهم بأني حدت عن الحقيقة في هذه الرغبة لأن رجال الأعمال قاموا سابقاً بدعم الأعمال الخيرية التنموية في معظم هذه المجالات حيث أوضح الأستاذ عبدالله النعيم بأن مكتبة الملك فهد ومركز الأمير سلمان الاجتماعي ممولان بالكامل من رجال الأعمال، كما أتضح لي من الاحتفال الذي أقامه صندوق المئوية قبل أسابيع قليلة بأن صندوق المئوية وهو صندوق يقوم بدعم أصحاب المشاريع الصغيرة مالياً وفنياً ممولاً هو الآخر رغم عظم مهامه ومسؤولياته بالكامل من رجال الأعمال. خلاصة القول الذي أريد أن أبينه في هذه المقالة أن بلادي تزخر بأهل العطاء من رجال الأعمال الميسورين الذين أعطوا وبذلوا ومازالوا يبحثون باستمرار عن قنوات خيرية ينفقون بها أطايب أموالهم لينالوا الأجر العظيم من الله {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، لكننا بفهم غير دقيق لإخلاص النية وبهدف الابتعاد عن الرياء حرمنا المجتمع من التعريف بهم مما أفقده القدوات الصالحة المحفزة للمزيد من العطاء، وهذا السلوك النبيل في مقصده وغير السليم في منهجه أدى عدم تصحيح الصورة النمطية الجشعة والأنانية لرجال الأعمال التي أصلها الإعلام سابقا من ناحية، كما أدى إلى تناقص العطاء في المجالات الخيرية التنموية لانعدام القدوة، وبظني أن هذا لا يجوز أن يستمر وعلينا أن نتبع سياسة إعلامية جديدة في عرض هذه العطاءات المحفزة ومن مبشرات ذلك ما أعلنته الصحافة عن عطاء الشيخ سليمان الراجحي الذي نعلم جميعاً صدق نيته عن تأسيسه لمشروعات بحوالي 700 مليون ريال أهداه لأهالي منطقة حائل وقفاً لهم للصرف على مشاريعهم التنموية، وهو بذلك يشكل القدوة المحفزة دون أدنى شك. ختاما أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الأستاذ عبدالله النعيم والأستاذ رشاد هارون مدير عام مركز الأمير سلمان الاجتماعي على ما نوّراني به وعملت لإيصاله للأخوة القراء، راجيا منهما ومن أمثالهما من رجال العطاء الاجتماعي أن يساهموا بالتعريف بهذه العطاءات لتكون نبراسا وقدوة لنا جميعا بإذن الله للمزيد من العطاء والبذل ليلعب القطاع الخيري دوره الحقيقي كذراع ثالث تنمية يتكامل مع القطاعين العام والخاص في تعجيل حركة التنمية الشاملة والمستدامة في بلادنا العزيزة.
alakil@hotmail.com |
|
|
| |
|