قال الحسن البصري: إن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بالمشورة، لا من حاجة منه إلى آرائهم، وإنما أراد عزّ اسمه أن يعلمنا ما في المشورة من الفضيلة، حيث قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} سورة آل عمران.. يعني أن الإنسان لا يستغنى عن مشورة ناصح له قال بشار:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن |
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة |
فريش الخوافي تابع للقوادم |
وقال الأصمعي: قلت لبشار: رأيت رجال الرأي يتعجبون من أبياتك في المشورة، فقال: أو ما علمت أن المشاورة بين إحدى الحسنيين، صواب يفوز بثمرته، أو خطأ يشارك في مكروهه، فقلت له: أنت والله في هذا الكلام أشعر منك في شعرك.
وقال الجاحظ: المشورة لقاح العقول ورائد الصواب، والمستشير على طرف النجاح، واستنارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور وحزم التدبير.
وقال حكيم: إذا شاورت العاقل صار عقله لك. ويقال: أول الحزم المشورة.
وقال العتابي: المشورة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه.
وقال ابن المعتز: المشورة راحة لك، وتعب لغيرك. وقال أيضاً: من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحاً، وعند الخطأ عاذراً، وذكر في المبهج: ثمرة رأي الأديب المشير، أحلى من رأي المشور. ولبعضهم: لا تشاور الجائع حتى يشبع، ولا الغضبان حتى يهجع. ولا الأسير حتى يطلق، ولا المضل حتى يجد، ولا الراغب حتى ينجح.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خاب من استشار ولا ندم من استخار)
وقال صالح بن عبدالقدوس:
ومن الرجال من استوت أحلامهم |
من يستشار إذا استشير فيطلق |
فيرى الصواب بها يشير فينطق |
أن الأديب إذا تفكر لم يكد |
يخفى عليه من الأمور الأوفق |
وإذا استشرت ذوي العقول فخيرهم |
وكان يقال: نصف عقلك مع أخيك فاستشره. وكان يقال: ما استيقظ الصواب بمثل المشورة، ولا خصبت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغض بمثل الكبر. وكان يقال: لا يستقيم الملك بالشركاء، ولا يستقيم الرأي بالتفرد به.
وقيل: شاور قبل أن تقدم. وقال عبدالملك بن مروان: لن أخطئ وقد استشرت أحب إليّ من أن أصيب، وقد استبددت برأي من غير مشورة. وقال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه: لا تقطعن أمراً حتى تشاور مرشداً، فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه. وقيل للنبي عليه الصلاة السلام: ما الحزم؟ قال: أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره.
وقال عليه الصلاة والسلام: لم يهلك امرؤ عن مشورة، وقيل: مكتوب في التوراة: من ملك استأثر ومن لم يستشر يندم والحاجة: الموت الأكبر، والهم: نصف الهرم، وقال الشاعر:
فما نجعت فيه النصائح منجعا |
وهل يبرئ الكهان من هو أكمه |
وقيل: إذا استشير نفر أنت أحدهم. فكن آخر من يشيرن فإنه أسلم من الصلف، وابعد لك من الخطأ وأمكن لك من الفكر، وأقرب لك من الحزم. قال الشاعر:
ومن الرجال إذا زكت أحلامهم |
من يستشار إذا استشير فيطرق |
أن الحليم إذا تفكر لم يكد |
يخفى عليه من الأمور الأوفق |
وقال آخر:
وفي المثل:
ولا فقر أسد من عدم العقل. |
|