| |
مهندس الرياض بقلم : خالد المالك
|
|
خمسون عاماً من عمره ومن شبابه أمضاها في عمل دءوب وجهد خلاق، وظل هذا حاله إلى اليوم، فلم يتوقف بل واصل العمل وما زال بنفس الحرص والروح والتصميم والجدية التي بدأ بها العمل أميراً للرياض.. وكان دائماً ذا نظرة متفائلة وصائبة نحو المستقبل الذي يريده لحبيبته ومعشوقته الرياض، ويسعى لتحقيقه لأهله وأحبائه أهل الرياض وجميع ساكنيها من سعوديين وغير سعوديين وكلهم عنده أهل، وهم بنظره أسرة واحدة لا فرق ولا تمييز عنده بينهم، إلا بقدر عطاءاتهم وإخلاصهم لهذه المدينة المتألقة الشامخة كشموخ أميرها. * * * نصف قرن انقضى ليضاف إلى عمره وإلى عمر مدينته - الحلم - فكبر سلمان وكبرت معه الرياض، فأحبه الناس وأحبوا معه مدينة الرياض شارعاً بشارع وحياً بحي، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، بكل مبانيها ومعالمها وهندستها، بأنفاقها وجسورها وعمارتها، بجامعاتها ومدارسها ومصحاتها، وبمكتباتها وأنديتها وأسواقها، بكل هذا الجمال الأخاذ الذي نراه فيها. * * * سنوات انقضت من عمر هذا الرجل دون أن يعطي نفسه حقها من الراحة والترفيه مثلما نفعل ويفعل غيرنا، لأن راحته وترفيهه واستمتاعه بالحياة حدد لها منذ بواكير شبابه إطاراً طوّقه بالعمل المتواصل ليلاً ونهاراً طالما كان ذلك يصب في خدمة الرياض لتكون كما يريدها وكما يخطط لها واحدة من بين العواصم الأبهى والأفضل والأجمل على مستوى العالم. * * * هكذا هو سلمان بن عبدالعزيز.. حبيب الرياض.. والعاشق لها.. والهائم بحبها.. من أحبه المواطنون، واختاروه أخاً وصديقاً ومعلماً في حب الوطن والتفاني من أجله.. من أقام جسراً بل جسوراً من الود بينه وبين إخوانه من المواطنين بخلقه وتواضعه واستعداده ليكون في خدمة الجميع.. ومن علمنا التآخي، ونبذ الفرقة، وتقريب المسافات بين وجهات النظر المتباينة بين المواطنين بمنطق ورؤية وحكمة لا يجارى فيها. * * * خمسون عاماً أمضاها سلمان بن عبدالعزيز أميراً للرياض، وهي سنوات ليست قليلة في عمر الزمن، ولكنها في حجم الإنجازات التي تحققت لا تقاس ولا تقارن بما تحقق للرياض مقارنة بأي مدينة أخرى في العالم، فالموقف يسير لصالح الرياض؛ فقد نقلها سمو حاكمها من عاصمة متواضعة في إمكاناتها وفي مظهرها وفي المتطلبات الخدماتية فيها إلى هذا المظهر الجمالي الذي نراه، ومن رقعة صغيرة تضم مباني من الطين في شوارع وأحياء بلا خدمات، إلى مدينة مترامية الأطراف، مترفة بمبان عصرية وشوارع فسيحة، حيث يسكنها قرابة الملايين الخمسة من الناس. * * * وسلمان العلم والمعلم.. هو السبّاق دائماً والقدوة في بدء مباشرته لعمله بمكتبه في الإمارة صباح كل يوم، وهو أيضاً آخر من يغادر مكتبه مع انتهاء الوقت المحدد للدوام بين جميع الموظفين.. بل إن عمله يتواصل في قصره العامر بعد انتهاء عمله بمكتب الإمارة.. وفي إجازته السنوية يكاد لا يرتاح من عناء العمل، فالأوراق والاتصالات تطارده أينما كان، ولا يجد غضاضة في ذلك، ولا يتبرم من ضخامة حجم هذا العمل.. فالعمل عشقه ومتعته، والمسؤولية التي تكون في خدمة الوطن والمواطن لا يتردد في تحملها ليلاً ونهاراً ولو كان ذلك على حساب وقته وصحته، واهتماماته الأخرى. * * * وفي سلمان خصال كثيرة، ومزايا متعددة يستحيل حصرها أو تعدادها.. فهو يتفقد المرضى في مستشفياتهم.. ويعزي أسر الموتى في منازلهم.. ويلتقي المواطنين في أفراحهم، ويستجيب لدعواتهم إلى لقاءات في بيوتهم مع نفر من أفراد المجتمع.. وهو يشرع أبواب قصره للجميع مساء كل يوم اثنين؛ تكريماً ومحبة ورغبة في لقاء المواطنين.. وهذه المبادرات التي تنمُّ عن رؤية إنسانية هي بعض صفات حاكم بحجم سلمان بن عبدالعزيز. * * * ومثلما يقال عن أمير الرياض من أنه الرجل المتحدث واللبق والمتواضع والكريم والإنسان والمتسامح، وهذه بعض صفاته.. فإن الوجه الآخر من صفات سلمان أنه مسؤول حازم وقوي ومناضل كبير من أجل الحق وفي سبيل حفظ حقوق الناس والعدل فيما بينهم والمساواة في التعامل معهم.. والأهم من كل هذا أنه يباشر هذا النوع من القضايا بنفسه، معتمداً على ذاكرة جيدة وحضور ذهني واضح، وخبرة طويلة في العمل، ومعرفة لصيقة بالناس. * * * تعرفت على الأمير سلمان منذ أكثر من أربعين عاماً، وجمعتني به مناسبات عدة.. بعضها في الداخل، والبعض الآخر في الخارج.. بعضها مناسبات رسمية، وبعضها الآخر غير ذلك.. فما وجدت في الرجل على مدى هذه الفترة الطويلة، إلا أنه - بنظري - يمثل ذلك النموذج الرائع للمواطن والمسؤول والأخ والصديق لي ولكل من اقترب منه أو تعرف عليه.. لا أقول هذا مجاملة لرجل أجلّه وأحبه وأقدّره، وكان صاحب مواقف في الدفاع عني وعن جميع زملائي الصحفيين كلما وقعنا في خطأ بعملنا بسبب سوء التقدير أو الاجتهاد في النشر.. وإنما أقوله عن حسّ وطني مصدره قناعتي بأن سلمان نجح كثيراً وبكفاءة عالية وإخلاص ملموس في ترجمة توجيهات وتعليمات كل الملوك الذين عمل أميراً للرياض خلال فترة حكمهم، ابتداءً من الملك سعود مروراً بالملك فيصل والملك خالد والملك فهد - طيب الله ثراهم -، حتى عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-. * * * إننا إذ نمرّ سريعاً بكلمة صادقة ورأي منصف عن حقبة زمنية من عمر مدينة الرياض وارتباطها بعمر سلمان بن عبدالعزيز، في ذكرى مرور خمسين عاماً على توليه إمارتها، فإن الأمانة تقتضي منا أن نقول كلمة حق عن هذا المشوار الطويل في الجهد والعمل والعطاء والنتائج، وفاءً منا لمن أسدى وأعطى لمعشوقته ومواطنيه كل هذه الإنجازات التي ستبقي جهوده ولمساته فيها خالدة في ضمائرنا وذواكرنا ومن بعدنا سيحتفظ بها الأحفاد وما بعد الأحفاد وسوف يشكرونه عليها.
|
|
|
| |
|