| |
هذرلوجيا ثقافة (المهايطة) سليمان الفليح
|
|
أعرف أن (السادية) هي تمتع (الأنا) بتعذيب الآخر وأن (المازوشية) هي تمتع (الأنا) من تعذيب الآخر، وأعرف أن هاتين الحالتين المرضيتين من إفرازات المجتمع الأوروبي المادي الذي فقد الأخلاقيات بسبب طغيان المادة على الجوانب الروحية وأعرف أن السادية مثلاً تنسب إلى (الماركيز دي ماساد) الذي كان ماركيزاً فناناً (يتفنن) في تعذيب عشيقاته ليكتب من خلال التلذذ رواياته السوداء وأشعاره القاتمة التي تتسم بالشذوذ والجنوح والانحدار. أما (المازوشية) فهي سلوك جنسي حيواني مؤداها البرود الروحي الذي تعانيه تلك المجتمعات الصقيعية (المتجلدة) المشاعر. *** وأعرف أيضاً أن الشاعر العربي المرهف منذ الجاهلية حتى اليوم يتحمل الصدّ والهجر الذي تمارسه الحبيبة ولا يتعدى الأمر لديه سوى البوح العذري والشكوى العفيفة والنجوى الروحية الشفافة والعتاب العذب الذي أفرز في تراثنا الأدبي أجمل وأروع الشعر الوجداني والإنساني الذي يمثل الرقي الروحي والسمو بالذات الإنسانية إلى ذرى النبل والطهر الذي لم يبلغه أعظم شعراء أوروبا كلها في جميع عصورهم المتعاقبة وهذا هو الفرق الشاسع بين ما هو روحاني وما هو مادي يتعامل مع الإنسان ككتلة من ثلج لا كمشاعر من نار، فالشاعر العربي حتى لو عانى أقسى أنواع العذاب الروحي، فإنه لا يراه إلا بمثابة الغيث الذي يملأ روحه الشاعرة بالأزاهير، فها هو الشاعر الصديق المبدع الحميدي الحربي يقول في أحد تجلياته الإنسانية العاطفية: (لو عذّب الغالي لذيذ عذابه فالسيل يجرح في الوطأ قبل يحييه) إذ نلحظ هنا من خلال بيت (الحميدي) هذا أن الشاعر يسمو بعذابه (العذب والعفيف) ليحوله إلى أمل بالنماء وإحياء يبعث الخصوبة في الروح، وهذا عكس ما يحدث اليوم من قبل شعراء (المهايطة) أو الصبية الذين يطلون علينا من شاشات القنوات الفضائية (الشعبية)، الذين يشعرك الواحد منهم في بدء استماعك إليه أنه يلقي قصيدة (تعبوية) حماسية من قلب المعركة للدرجة التي تتصور معها أنه سيكسر شاشة التلفاز ويخرج إليك ليمسكك من تلابيبك ليجبرك على الإنصات وكأنهم من بقايا الفيلق الثامن (إعلاميو ومذيعو صدام حسين) في الحرب العراقية الإيرانية. ثم ما إن تستمر معه في الإنصات حتى تفهم أنه لا يتحدث عن معركة بل عن (حبيبة مسكينة!!) ينهال عليها بالتحقير والتوبيخ والتسفيه و(الجلد) العاطفي حتى يُدمي مشاعر أي أنثى في الكون وليست هي فقط ثم يستعرض عضلاته الشعرية متحدياً الشعر ليسمعه أقذع الإهانات وإنه - أي الشعر - لم يخلق إلا لكي يطأطئ هامته له ليمتطيه ويوسعه ضرباً ب(الكرباج) لكي يسير طوع بنانه كالبهيمة!! ثم يتحدث هذا الشاعر أو (المهايطي) عن ذاته حتى تحسبه الزير سالم أو عنترة العبسي أو فتاح الشرق والغرب معاً، ثم يعكف ثانية للحبيبة (المقرودة) المبتلاة به ليسرد لها بطولاته العاطفية مع جميلات الدنيا التي لا تساوي أمامهن (قشة بصل)، ثم يستكين بشكل مفاجئ ليقزم ذاته أمام نفس الحبيبة وأنه بدونها وأخيراً و(لا شيء!!) ثم يذرف هذا ال(عنترة) إياه دمعتين شمعيتين كاذبتين أمام المشاهد ويولي الأدبار. *** وهذه الحالة التناقضية الغربية التي تختلط فيها (السادية والمازوشية) معاً لم يتوصل إليها أغرب شعراء الغرب وأكثرهم انحرافاً روحياً بل و(عقلياً) أيضاً مما يحتم علينا أن نسميها (الماشوسادية) النبطية الشعبية. *** بقي أن نقول أخيراً إن هذه النماذج الرثة التي أخذت (تطفح) بها (بعض) الفضائيات الشعبية التي لا رقيب ولا حسيب عليها سوى رب العالمين التي أصبحت تسيء للذوق العام وتخدش الحياء والأدب و(الأدب) أيضاً!! وتسوق أنماطاً فجةً من الزعيق النشاز الذي يصدع الذائقة ويثير (كثيراً) العصبيات القبلية المقيتة بينما بعض أصحابها الذين أرادوا بها مشاريع (مربحة) لا يعلمون حقيقة عما يحدث بها من (بلاوي) أو كما يقول أستاذنا الجليل عبدالله بن خميس لا تحمل إلا الخواء والطواء وتضيف البلاء أيضاً.. فَمَنْ يوقف هذا البلاء؟!
|
|
|
| |
|