| |
اللغة الشعرية
|
|
اللغة الشعرية هي ذلك الوعاء الذي يحمل مشاعر الشاعر وأحاسيسه.. في نتاج تلاحم وانصهار اللفظ مع المعنى مكوناً نسيجاً جديداً أو مولوداً جديداً نسميه النص.. فقد تمخض هذا النص من رحم دلالات لغوية بديعية واتحاد بين التعبير والمضمون في إطار البيئة التجريبية للشاعر.. فهي مزيج لفنون وآداب وتجارب مر بها الشاعر واختزلها في عقله الباطن مكونة له نبراساً وضوءاً تنير له المعاني كلما أراد أن ينسج منها نصاً فنياً مميزاً.. فالكلمات تتبع الصورة الشعرية وهي في نفس الوقت داخلة في اللغة.. وهي بطبعها غير مرتبة أو منظمة بل تأتي حسب الطقوس الحسية والشعورية لحظة كتابة النص. فما يطرحه من الأطروحات والانفعالات في نصوص ماهي إلا تراكمات لغوية يختزنها الشاعر في مخزونه اللغوي فيعبر عما يختلجه وينتابه.. وهي جسر بين الشاعر والمتلقي ينقل خلالها عواطفه وقلقه وتأملاته.. فهو يتعدى بنا التقريرية ويمضي بنا قدما نحو التعبير عن خلجاتنا وما يحتويه من دفء وحنان ورضى وغضب شوق ووله شموخ وكبرياء في حس شاعري بين الخيال والواقع بين الوعي ولا وعي.. فتكون لغته مشحونة وصدى لأعماق نفسه ومدى لأوراق بوحه.. فيختلف الشعراء بعضهم عن بعض في دقة إيصال المعنى المراد كل حسب لغته وكيفية التعامل مع أسرارها ومكنوناتها. من هنا نستطيع القول إن اللغة الشعرية جامدة بطبعها.. وهنا يأتي دور الشاعر الماهر بتفجيرها وتحويلها إلى شظايا وحمم بركانية من المشاعر والشعور بكل صدق وحرارة وجدانية كل حسب الوعي والقدرة في توليد مناخات مناسبة لاحتواء هذا الدفء وإيصاله للوجدان.. إذاً هي البناء الذي يبني عليها الشاعر نصه.. وهي السبيل الوحيد للوصول إلى ذات المتلقي وإثارته.. وليست اللغة الشعرية محصورة على حفظ آلاف الكلمات فقط بل يجب أن تصب هذه الكلمات في قوالب تناسب مدلولها ولفظها وجرسها.. كي نصل إلى عمل فني إبداعي.. عمل متناغم ومتوافق مع دلالاته الجديدة ومعطيات النص المراد إيصاله.. بعيداً كل البعد عن الاضطراب والركاكة.. كما أن لكل شاعر معجم شعري وله تراكيب خاصة به.. فتجده غالباً يدور في فلكه اللغوي وكلماته المكررة ومعانيه الخاصة وقد نميزه في أحيان كثيرة عن غيره من حيث اللفظ وإيقاعه الذي يلازمه ويحدد ذاتيته من خلال نصوصه فتتجلى بها انفعالاته ورؤاه خلال اللغة نتعرف من خلالها إلى ثقافة هذا الشاعر.. فالشاعر المتميز بلغته الشعرية هو ما يوجد الموضوع ويسكبه لنا ببراعته ودقته التصويرية أي يفرز لغته الخاصة التي تعبر عن الموضوع فقط بل تتعداه نحو البناء المتكامل باتصال متزامن دون انفصال أو تشويه.. أرجو أن أكون وفقت في إيصال ما يخدم الشعر والشاعر.
إبراهيم الشتوي
|
|
|
| |
|