| |
يارا الهيئة عبدالله بن بخيت
|
|
تحدثت في مقال سابق عن مسألة التعريف بشخصية رجل الهيئة أثناء العمل بعد القرار الذي أصدره الرئيس العام (للهيئة) والمبني أساساً على توجيه من وزارة الداخلية. توقعت كما توقع آخرون أن الهيئة لن تطبق هذا الإجراء. هذا شيء طبيعي إذا عرفنا أن رجل الهيئة يتصرف أحياناً وفقاً لوجهة نظره الشخصية (الأمنية والدينية والأيديولوجية) وليس اتباعاً لقانون محدد ومكتوب. رجل الهيئة يخترع نظامه أولاً بأول حسب الحالة التي يواجهها لأنه لا يعمل بصفته موظفاً بل بصفته متطوعاً يحافظ على الفضيلة. كلمة الفضيلة واسعة وفضفاضة لها تفسيرات بعدد سكان الأرض. وأي إجراء تنظيمي سيحد من صلاحياته لملاحقة الفضيلة المدفونة في نفوس الناس وقياسها على معنى الفضيلة الذي يتبناه هو. رجل الهيئة شخصياً هو قانون أخلاقي متحرك ونموذج للفضيلة يجب أن يحتذى. عمله يقع في نطاق التوقع والافتراض. الفضيلة لن توجد وتتحقق بعد أن تخدش. الحفاظ على الفضيلة قبل أن تخدش عمل استباقي يقع في المجهول، أن يتوقع الجريمة قبل أن تقع بافتراضات تغنيها الشكوك والخبرة.. ليس غريباً أن يقوم رجل الهيئة بتوقيف رجل وزوجته والتحقيق معهما حتى قبل أن يقع منهما ما يخالف القانون بالمعنى الحرفي.. العمل الاستباقي لحماية الفضيلة يتطلب تسهيلات لا يمكن أن يمنحها أي قانون متعارف عليه. هنا تبدأ مشكلة الهيئة مع المواطنين. لكي ينجز رجل الهيئة فله حق العمل في إطار قانونه الشخصي المتكيف مع الحالة لحظة انبعاث الشك في نفسه. كأن يلبد في سيارته الشخصية (خارج وقت العمل) أمام منزل خاص أو مطعم أو ناد يراقب أو ينتظر أن تحدث جريمة تنتهك الفضيلة. ليس غريباً أن يستعين بمن يشابهه في هذا الأسلوب. عمل رجل الهيئة ليس احترافياً ولكنه في أصله تطوعي. قرأت يوم أمس الأول في جريدة الحياة أن شابين انتحلا صفة رجال الهيئة واستوقفا رجلاً وزوجته وأجريا معهما تحقيقاً موسعاً بنفس الأسلوب الذي تنتهجه الهيئة أحياناً في التعامل مع الناس. لم يشر الخبر كيف عرف هذا الرجل أن هذين الشابين ليسا من الهيئة. فرجل الهيئة لا يحمل بطاقة تثبت هويته ولا يسمح لأحد أن يسأله مثل هذا السؤال. وختم الخبر بقوله: (عرضت قضية الشابين أمام رئيس المحكمة الجزائية في الباحة عبدالله العسكري ومن المتوقع إنزال عقوبتين بحقهما إحداهما متعلقة بالحق الخاص الذي لم يتنازل عنه المتضرر على الرغم من الكم الهائل من الشفاعات والوسطاء، والأخرى مرتبطة بالحق العام الذي يمكن إسقاطه تبعاً لسقوط الحق الخاص). الواضح من الخبر أن الشابين لم يرتكبا جريمة وإنما قاما بما تمليه عليهما أيديولوجيتهما المتطابقة مع ما يفعله رجل الهيئة أحياناً. فهؤلاء أقرب الظن أنهما من المتعاونين. فالخبر يشير إلى أن هناك كماً هائلاً من الشفاعات والوساطات لإنقاذهما من العقوبة. لا أحد يشفع لمجرم. المسألة تتعلق بالفضيلة والعمل الاستباقي لتحصينها وفقاً لوجهة نظر المحتسب في تلك اللحظة. الصراع المتفاقم بين رجال الهيئة والمواطنين لا يمكن تصنيفه ضمن الأخطاء التي قد يرتكبها رجل الأمن أو مراقب البلدية على سبيل المثال. أخطاء الهيئة (إذا جاز لنا أن نسميها أخطاء) لا يمكن حلها بالتدريب والتطوير أو باختيار عناصر متعلمة. لا تعود إلى نقص في المهارة أو نقص في الوعي. القضية أكثر تعقيداً. أي تغيير في فهم رجل الهيئة وفي المفهوم الذي يراه رجل الهيئة في نفسه والدليل أن هناك عدداً من المواطنين يرى أن سلوك رجل الهيئة رائع ومثالي بل سفينة النجاة. هذا التناقض في الموقف من الهيئة لا يحله التدريب أو التطوير. الهيئة تعمل بشكل مثالي في إطار مفهوم العاملين فيها والمحبين لها وبالتالي أمام المرء موقفان لا ثالث لهما؛ إما أن يكون مع الهيئة كما هي الآن أو ألا يكون.
yara4u2@hotmail.com |
|
|
| |
|