يتوهم من يظن أن الشعر فقد شيئاً من وهجه واثره وتأثيره وقدرته العجيبة على البقاء والتصدي لعوامل التعرية، فها نحن نتمثل ليل نهار بشواهد الشعر التي تسعفنا عندما نريد ان نصيب كبد الحقيقة خلال الرغبة في تأكيد مصداقيتنا او اقناع الطرف الآخر بحجتنا، وعبارة (أزيدك من الشعر بيت) عبارة ربما لا يزيدنا من يطلقها بيتا من الشعر انما قال ذلك رغبة في اغرائنا ان لديه ما هو ثمين من القول.
أعجب ما في الشعر انه يكون حيث نضعه فقد يجيء حمامة سلام يزرع الطمأنينة في الانفس ويزيل ما يعلق بها من غم عارض او مقيم اذا وفق من يقوله بالطيب منه، وقد يبعث الفرح والنشوة وفقدان الوزن حبورا وبهجة وألقا يضيء ممرات القلب وغرفه الداخلية ويعطر اجواء الروح بشذا يخجل منه مسوقو أرقى العطور العالمية.
وقد يحرك ما ركد من شجن خامد طوته يد النسيان وظن صاحبه انه فقد قدرته على النهوض من جديد واذا بقصيدة أو ربما بيت عارض زلزل الارض وأيقظ النائم من الأحاسيس والمشاعر التي نحاول أن تبقى خامدة، وربما انبت شجنا جديدا وحرض على التداعي خلفه الى المدى الذي لا نتوقع الوصول إليه.
وقد يكون دواء لعلة لا تسبر اغوارها يد طبيب ماهر، يضرب المثل بقدرته على الاستقصاء والوصول الى العلة ووصف العلاج الناجع لها، وكم من قصيدة كانت سببا في مواساة مكلوم او مؤازرة مهموم، والشواهد في غرض (الرثاء) لا تكاد تعد او تحصى.
كما لا يخفى على كل محب للشعر ما يمكن أن تحدثه قصيدة في نفوس القادة والجنود قبل واثناء وبعد المعارك، وربما تحول الوطن بمجمله الى بطل لديه الاستعداد للزج بنفسه في أتون المعركة بنشوة عارمة واندفاع جارف بسب قدرة شاعر متمكن من تجييش للمشاعر وشحذ للهمم والحث على الاقدام والشجاعة والفداء بالنفس والنفيس.
ولأن الشعر يحدث هذا وما هو أكثر منه فهل يعي الشعراء أن بيتا عابرا كتب بغير مسؤولية ربما اشعل فتنة نائمة او استحدث اخرى وقد يكون سببا في ترطيب اجواء يشوبها التشنج. والشاعر مؤتمن على موهبته ان شاء وجهها الى الخير وكان خيرا له ولغيره، وان شاء أطلق لها العنان تعيث في الأرض فسادا وفرقة وشتاتا بين الناس.
وقفة لشيء من نبضي: