| |
يارا الأم عبد الله بن بخيت
|
|
(عيد بأية حال عدت يا عيد...) (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.) أستطيع أن أدعي دون أن أقع في المبالغة أن كل قراء هذه الجريدة والجرائد العربية سمع وردد هذين البيتين منذ أول يوم تعلم فيه القراءة والكتابة. لا يدانيهما في ذيوعهما في الأفواه العربية سوى كلمتي (ماما وبابا). الأول مختص بالسياسة والثاني بالفقه. مع إطلالة كل عيد نقرأ مقالات البكاء السياسية على خيبة الأمة. حتى أصبح هذا البيت أيقونة الأحزان السياسية العربية الإسلامية. أما بيت الأم فقد تحول إلى مختصر للآمال التي يروج لها دعاة إقعاد المرأة في بيتها (مملكتها) حتى ظن عوام الدعاة (على كثرتهم) أن هذا البيت من الشعر هو دليل فقهي لا يرقى إليه الشك. لا يمكن أن تخلو منه أي محاججة في كل ما يتعلق بالمرأة. نكتشف خطورة هذا البيت الشعري (العظيم) إذا عرفنا أن أكثر من تسعين في المائة من الآراء التي تتعلق بالكيفية التي يجب أن نحل بها إشكالية وجود المرأة. في كل مرة أسمع أو أقرأ فتوى نسائية أتساءلُ: مَنْ الذي أقحم هذا البيت الشعري في رؤوس إخواننا الدعاة والفقهاء؟. الذي يتأمل فيه سيرى أنه خالٍ من أي دلالة دينية أو تربوية أو حتى جمالية. عندما نقلبه على وجهه لن نجد فيه شيئاً يختص بالمرأة أو بالأم تحديداً. بتحوير بسيط كان يمكن لشوقي أن يطلقه على الأب فنردد معه: (الأب مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق). لم تتغير فيه الدلالة. كما يمكننا أن نستخدمه للأخت فنقول: (الأخت مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق). كما يمكننا أن نستخدمه مع الجار بقولنا: (الجار مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق)؛ وليس هذا فحسب بل بإمكاننا أنْ نُحَوِّلَهُ إلى دليل تربوي للشعوب أيضاً فنقول: (السعودي مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق). و(الياباني (أيضاً) مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق). وبإمكاننا أيضاً استخدامه على الأشياء وليس البشر فنقول: (الجريدة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق). يعكس ذيوع هذا البيت بهذا الحجم على هذا المستوى مشكلة نقدية في الذهن العربي مشكلة تبني الكليشهات دون اختبار أو مساءلة. بيت شعري بهذا المستوى من الهزال الدلالي يصبح بالتداول دليلاً فقهياً ينتهي بأن تختصر حياة المرأة في داخله. مرة سمعت أحد الدعاة يرد على واحد من إخواننا الليبراليين، هداهم الله: يا أخي أنت ما سمعت قول الشاعر (الأم مدرسة إذا أعددتها....) وهو يهز يده وكأنه أتى بالقول الفصل والكلمة النهائية. هذا البيت رمز لكثير من المفاهيم التي حشرت في أذهان الناس وتحولت بالترداد والمداومة على عقول العوام إلى مسلمات. أتذكر عندما كنت طالباً في الجامعة درَّسنا واحدٌ من الإخوان المسلمين مادة علوم الحديث. كان يأتي بالحديث ويشرحه ثم يحاول أن يبين الدلالة فيه ولكنه يضيف دلالات من عنده. من سوء حظه أن معظم الشباب في ذلك الزمن لم يتقولب كما هي الحال الآن. كنا نحتج ونقول له بصراحة إن كلامك غير موجود في الحديث. صار يلجأ إلى التخويف، لا أتذكر أنه نجح مع أي من الزملاء في ذلك الحين ولكنه في النهاية نجح في إطفاء نور النقد والمساءلة في أذهان الأجيال التالية حتى أصبح هذا البيت الشعري الهزيل دليلاً فقهياً لا يرقى إليه الشك.
yara4u2@hotmail.com |
|
|
| |
|