| |
أول أمين عام للمجلس لـ« الجزيرة »: مجلس التعاون حقق «النظام الأمني الإقليمي» في ظل ظروف غير مستقرة
|
|
كتب - جاسر عبدالعزيز الجاسر: السفير عبدالله بشارة عاصر إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وساهم بخبرته وعلمه وجهده في وضع الأسس القوية والراسخة للمجلس في إنشائه الأمانة العامة للمجلس وقيادتها السنوات الأولى حتى اشتد عود المجلس وأصبح منظمة إقليمية مهمة واجهت كل العواصف في مراحل من أشد المراحل صعوبة التي مرَّت بها المنطقة، ولعل من أسباب بقاء المجلس وتطوره هي الأسس القوية التي أقيمت عليها الأمانة العامة التي وضع بشارة كل علمه وخبرته في إنشائها، وفي مناسبة انعقاد القمة الخاصة لدول المجلس في الرياض السابعة والعشرين في مسيرة قمم المجلس التقت (الجزيرة) بالسفير عبدالله بشارة أول أمين لمجلس التعاون ليتحدث عن الأولى للمجلس والآمال والطموحات التي يعلقها أبناء الخليج على المجلس، فكان السؤال الأول. * كيف ترون مسيرة مجلس التعاون منذ نشأته وإلى الآن؟ - تميزت مسيرة المجلس في حياتها الأولى بالحماس والعزم والسرعة في الإنجاز مع إدراك بأهمية المجلس في تعبئة الدول الأعضاء لمواجهة حروب صدام حسين وراديكالية إيران، وتطرف المنظمات المختلفة، كانت رسالة المجلس هي توفير القناعة لدول المجلس والحفاظ على استقرارها وحريتها وحدودها وسيادتها. وكان الشعور بأن الأولوية هي للوطن الخليجي والمواجهة ضد برامج التخريب. كانت الألفة بين القادة مميزة في اجتماعاتها وفي أجوائها مع اليقين بأن كيان المجلس هو الواقي من عبثيات التخريب. عاش المجلس في سنواته العشر الأولى في جو الحروب والمعارك، كانت حرب العراق وإيران، وكانت أفغانستان، وكانت فلسطين ولبنان وإسرائيل، كلها اضطرابات وتوترات، لكن المجلس مع كل هذا العبء المزعج والثقيل - حقق المجلس أبرز إنجازاته في إبقاء دول الخليج مستقرة مع الالتزام بالتوازن الإقليمي دون أن يميل لصالح العراق أو إيران، وهو النظام الأمني الإقليمي الذي ساهم في الاستقرار منذ الحرب العالمية الأولى. وأثبتت دول الخليج - من خلال العمل الجماعي - بأنها صلبة ومستقرة وأنظمتها راسخة وترتكز على شرعية تاريخية وشعبية وإرث زاخر بالعطاء. يرتفع المجلس عالياً عندما تلتقي الإرادة الجماعية، ويتجمد المجلس عندما تغيب هذه الإرادة الجماعية، وواقع اليوم ليس مريحاً لأن التقاء الإرادة انحسر من طاولة المداولات، وهو أمر يزعجني ويزعج أهل الخليج. * كونكم عايشتم البدايات الأولية لإنشاء المجلس، ما هي أهم المنعطفات التي مر بها منذ التأسيس؟ - أهم المنعطفات التي أثرت سلباً أو إيجاباً في جسم المجلس، هي الغزو العراقي لدولة الكويت، وهو الأمر الذي رسخ في الذهنية الخليجية مفهوم الردع الواقي، الذي لم يكن المجلس متحمساً له قبل الغزو، كانت الصيغة هي الاعتماد على الذات وتآلف المجلس مع هذه الصيغة خلال الحرب العراقية - الإيرانية، مع إبراز الذراع الدبلوماسي، وما نسميه الآن القوة الناعمة، وهو علاج كان مناسباً للتعامل مع الحرب العراقية - الإيرانية، لكن الوضع تبدل خلال الغزو حيث صارت القوة الخشنة هي الرديف الأكبر للقوة الناعمة. أعتقد أن الدبلوماسية الدفاعية الرادعة هي التي نراها الآن في الخليج ستظل معنا مدة طويلة، العراق يمر في حالة من التشويش والتخبط، كانت فكرة الاستعانة بالذراع الصديقة بمثابة الكفر في مسيرة الدبلوماسية الكويتية، بعد ذلك كل الأبواب استقبلت بترحاب ذلك الذراع الذي كان عوناً مؤثراً في تحطيم أحلام النظام العراقي السابق. * كيف ترى الوضع الإقليمي الحالي وما السياسات التي ينبغي اتباعها تجاهه؟ - أتمنى أن ينهض مجلس التعاون بشكل جماعي في اتخاذ المبادرات وبوضوح في ثلاث حالات: الأولى: البرنامج النووي الإيراني، لازال الموقف الخليجي غير مقنع وغير مؤثر ميضع الكثير من الثقة في النوايا الإيرانية، الحالة الثانية: هي الموقف من الصراع الدائر حالياً بين العقائدية الراديكالية وبين منهج الاعتدال المتمثل في مجلس التعاون والأردن ومصر، وهو صراع نراه الآن في لبنان، هزيمة السنيورة هو نصر للتطرف، للنهج الإيراني المتصلب، ونصر للتطرف الفلسطيني كما نسمعه من حماس والجهاد، ونصر للذين يريدون العبث بالنظام الإقليمي واليأس العربي، والحالة الثالثة: الوضع في العراق الذي يشهد بتبدلات في النظام الاجتماعي والسياسي ويؤثر على الجغرافية الاستراتيجية أو الجيوبولتيك، دور مجلس التعاون تراجع في التأثير لأن وحدة المواقف غابت، كيف نتابع المشهد العراقي بحسرة دون أن نقول بشكل جماعي بأننا ضمن مجموعة الاعتدال وندعم المالكي دون تجاوزات طائفية. * بصفتكم أول أمين عام لمجلس التعاون.. ما هي الأسس التي وضعتموها لتوحيد دول المنطقة ومواجهة الأزمات؟ - كنت أحلم بالكونفيدرالية الخليجية، وهي الصفة التي توفر العمل الجماعي في الأمن والدفاع والدبلوماسية والاقتصاد، وكانت الآلية التي رسمناها هي العمل الاقتصادي وذلك بتشييد شبكة مصالح متداخلة بين دول المجلس تذيب التباعد وتتجاوز الخلافات وتقرب بين الاجتهادات، لكن ذلك لم يتحقق لأن المرئيات اختلفت، دخلت جسم المجلس آفة الحدود والاجتهادات حولها، وعطبت الأحلام، كانت قطر والبحرين في الثمانينات، ثم جاءت الخفوس في بداية التسعينات وتباعدت المواقف وتجمدت المساعي، ونرى الآن وضعاً لا يسعنا نحن الذين نحلم بالكيان الخليجي الموحد. ما عليك للتأكد من ذلك إلا مشاهدة القنوات لتقف على المسافات التي شقت طريقها في جغرافيا المجلس. * كيف ترون مستقبل المنطقة ودور المجلس في محاصرة الأزمات التي تهددها؟ - سيظل المجلس ناجحاً ومؤثراً في محاصرة الأزمات، لكنني لا أجزم بأنه بالوضع الحاضر قادر على حل هذه الأزمات، الذراع الخليجي الموحد وصفة ممتازة لحل المشاكل الإقليمية، وكنت دائماً أقول إنه لا يمكن أن يخرج قرار عربي جماعي دون الموافقة الخليجية، ودون الدعم الخليجي، ليس بالمال وإنما بالتراث المعتدل والرصيد الدولي والقامة المميزة في العلاقات الإقليمية والدولية. مجلس التعاون لا يفرخ شعارات وإنما مصنع عمل ومواقف عندما تلتقي الإرادة، وأهل الخليج ليسوا منظرين وإنما هم فاعلون ومشاركون. ومع كل ذلك لابد أن ندعم المجلس بالتحاور وبالتفاعل الإعلامي وبتسليط الضوء على إنجازاته وعلى متاعبه، والمستقبل يصنعه العاملون وأصحاب المواقف المؤثرة، ونرى الآن في الساحة الإقليمية فزعاً من تسلط الاعتدال، نقرؤه ونسمعه ونراه في لقاءات كثيرة من أصحاب الأيدولوجيات.
|
|
|
| |
|