التحديات الاقتصادية في (قمة جابر)
فضل بن سعد البوعينين *

تستضيف المملكة أصحاب الجلالة والسمو قادة الدول الخليجية في قمة التعاون، والألفة والمحبة، في قمة الوفاء للرجال العظماء الذين أسهموا في بناء صرح هذا المجلس الشامخ الذي صمد أمام المحن، وبقي شامخاً أمام التحديات الجسام.
تنعقد القمة في دورتها السابعة والعشرين، تحت اسم (قمة جابر) وهو الاسم الذي وجَّه بإطلاقه (ملك الإنسانية) خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على قمة الرياض الخليجية، تكريماً وتقديراً لذكرى أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح - رحمه الله - ولدوره في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ودعمه، ومساندته خطط التكامل الخليجي. للشيخ جابر - رحمه الله - مواقف لا تنسى وأعمال خيِّرة ساعدت في دعم المجلس واستقراره، وأسهمت في تطويره، وتوحيد كلمته على الخير والحق، بغية الوصول به إلى قمة التكامل الوحدوي. إطلاق اسم الشيخ جابر على قمة الرياض الخليجية يحمل في طياته الكثير من معاني الوفاء والإنسانية للشيخ الجليل الذي لم يمنعه من حضور القمم السابقة إلاّ مرضه الذي انتهى بوفاته - رحمه الله.
تنعقد القمة في وقت تشهد فيه المنطقة الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي ستأخذ الحيِّز الأكبر في مباحثات القادة المؤتمرين. وعلى الرغم من أهمية تلك المحاور الأساسية إلاّ أنّ الشعوب الخليجية لا زالت تطمح في تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، فالشعوب عادة ما تبحث عن كلِّ ما يتعلق بحياتهم اليومية وهمومهم الاقتصادية والاجتماعية.
الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحّدة هي الهم الأكبر لشعوب المنطقة، وهي الهدف الذي يفترض أن يدفع المجلس في اتجاهه حتى النهاية، هناك إنجازات اقتصادية مشهودة، إلاّ أنّها لا زالت تقصر عن تطلُّعات الشعوب، واحتياجات رجال الأعمال، خصوصاً فيما يتعلق بالتزام بعض الدول الخليجية بتطبيق قرارات المجلس الاقتصادية، ومعاملة رجال الأعمال الخليجيين، كمواطنين في جميع الدول الخليجية، اشتكى بعض رجال الأعمال السعوديين من العقبات التي حالت بينهم وبين الاستثمار في إحدى الدول الخليجية التي فتحت أبوابها على مصراعيها لرجال الأعمال الأجانب.
الجميع ينتظر تحديد جدول زمني للاتحاد الجمركي المشترك، والبدء في تطبيق المرحلة الثانية الانتقالية بعد إتمام المرحلة الأولى بنجاح، والاتفاق على تحديد آلية خاصة بالتحصيل الجمركي المشترك بدلاً من العمل بنظام المقاصة المطبق حالياً. الاتحاد النقدي أصبح يمثل هاجساً حقيقياً للشعوب والقادة على حدٍّ سواء، نظراً لأهميته البالغة لاقتصاديات الدول وشعوبها الخليجية، نرجو أن لا يكون لمقر السلطة النقدية المشتركة أثر مباشر في هذا التأخير، كما نرجو أن لا تقف الدول الخليجية عند عقبة عدم جاهزية بعض الدول في تطبيق معايير تقارب الأداء الاقتصادي المتعلقة بالاستقرار المالي والنقدي، التضخم، الاحتياطيات النقدية، والنسب المتعلّقة بتلك المعايير، فأنظمة صندوق النقد الدولي، وتجربة الاتحاد الأوروبي كفيلة بحل مثل تلك الإشكالات. عدم جاهزية بعض الدول الخليجية لا يستدعي تأخير طرح العملة الموحّدة، بل من المفترض أن تبدأ الدول الخليجية المحققة لشروط الوحدة النقدية في طرح عملتها الخليجية الموحّدة كمرحلة أولى، ثم تلحق بهم الدول الأخرى بمجرد تحقيقها لشروط الانضمام.
أخيراً، تبقى (البورصة الخليجية) مطلباً ملحاً لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، نظراً لما تمثله من أهمية اقتصادية كبرى لجميع دول المنطقة. التكامل الاقتصادي لن تستوفى شروطه دون إنشاء البورصة الخليجية الموحّدة التي تضمن تسهيل عمليات تناقل رؤوس الأموال، وقيام الشركات المشتركة وإبرام الصفقات الاستثمارية بعيداً عن التعقيدات. التعجيل في إنشاء البورصة الخليجية سيساعد كثيراً في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وسيحد من تسرُّب الأموال الخليجية للأسواق الأجنبية، وسيدعم نجاح السوق الأولية في دول الخليج قاطبة. تعدُّد الخيارات، وتنوُّع الأسواق سوف يكفل بإذن الله تحقيق الحد الأدنى من الإشباع الاستثماري المأمول. نرجو الله أن يوفق القادة إلى كلِّ ما فيه الخير والصلاح لشعوب المنطقة، وللشعوب العربية والإسلامية، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.