المصيبة بفقد الولد مصيبة عظيمة، فهو فلذة الكبد وثمرة الفؤاد، وعليه تعلق الآمال، وبموته تدمع العين ويحزن القلب.. كيف لا؟! والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال ذلك عند موت ابنه إبراهيم: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون). متفق عليه. ولعظم مصيبة فقد الولد فقد أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالجزاء العظيم لمن صبر على فقد ولده فقال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) أخرجه البخاري.
وإذا كان فقد ولد واحد مصيبة عظمى فكيف بفقد ثلاثة أولاد في وقت واحد وساعة واحدة وهم في مقتبل عمرهم وريعان شبابهم؟! ما أشدها على النفس وما أعظم أثرها على القلب.
وفي منطقة سدير وبالتحديد في روضة سدير وبعد صلاة العصر من يوم الأربعاء الموافق للأول من شهر ذي القعدة عام 1427هـ فقد أهالي سدير ثلاثة من أبنائهم البررة الذين عرفوا بالخير والصلاح وحفظ كتاب الله والبعد عن فتن الشبهات والشهوات منذ نعومة أظفارهم وهم عبدالله وعبدالسلام طالبان في كلية الشريعة وثالثهم عبداللطيف طالب في المعهد العلمي أبناء الشيخ الفاضل الداعية المربي: عبدالرحمن بن عبدالعزيز السويح المدرس بالمعهد العلمي وإمام وخطيب جامع الشفا ومدير مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بحوطة سدير، وقد عرفته شخصياً بتفانيه وإخلاصه ومحبته لمنهج السلف الصالح ودعوة الناس إليه وتحذيرهم من فتن الشبهات المضللة التي ظهرت في هذا الزمان، ولو لم يكن من فضائله ومحاسنه جزاه الله خيرا إلا إنشاء مكتب الدعوة لكفى بذلك فخرا وشرفا، فقد أصبح لهذا المكتب جهود عظيمة ولمسات واضحة في الدعوة إلى التوحيد والسنة وربط الناس بالعلماء الكبار وتذكيرهم بلزوم جماعة المسلمين والسمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف وتحذير الشباب من الانجراف نحو التيارات الفكرية الهدامة والمعتقدات الفاسدة التي ولدت الغلو في التكفير والوقوع في التفجيرات وتجلية مفهوم الجهاد الشرعي وتمييزه عن الجهاد البدعي، حتى أثمرت جهود المكتب و-لله الحمد- في عودة كثير من الشباب المتأثرين بتلك الأفكار إلى جادة الحق والصواب، وحيث إن المكتب بصدد إنشاء وقف دائم لدعم برامجه المختلفة وأنشطته المتنوعة في مجال الدعوة إلى الله فإن المؤمل من أهل الخير والمحسنين الباذلين المبادرة لإنشاء هذا المشروع المبارك فهو من الصدقة الجارية التي لا ينقطع ثوابها ويبقى أجرها بعد الموت كما جاء في الحديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
وعوداً على بدء فإن موت أبناء الشيخ عبدالرحمن السويح- رحمهم الله- أحدث أثراً عظيماً بين مختلف الطبقات والفئات من الأمراء والعلماء والوجهاء وجميع شرائح المجتمع من الرجال والنساء، والكبار والصغار، بل تعدت هذه المصيبة حدود المملكة بكثرة الاتصالات التي تأتي من خارجها، بل وصل الأمر إلى إقامة صلاة الغائب عليهم في أحد مساجد الهند، فصلى عليهم نحو سبعة آلاف مصل، ومن البشائر ان هؤلاء الثلاثة كانوا يرددون كلمة التوحيد لا إله إلا الله قبيل وفاتهم، كما نقل ذلك أخوهم الأصغر عبدالمحسن الذي كان برفقتهم في السيارة ونجا برحمة الله من الحادث وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) وحول هذا المصاب العظيم والخطب الجلل أوجه ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى:
لأخي الشيخ الفاضل عبدالرحمن السويح فأقول له: لقد رأيت فيك يا أبا عبدالله مثالاً للمؤمن الصابر المحتسب الراضي بقضاء الله وقدره، وإن أنس فلن أنسى موقفك العظيم والناس يبكون حولك في المقبرة وأنت تسليهم وتصبرهم وتذكرهم بالله عز وجل وصدق الله إذ يقول: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قال علقمة- رحمه الله-: (هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم انها من عند الله فيرضى ويسلّم) وفي الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه الألباني: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) وقال الحافظ ابن كثير: (من أصابته مصيبة فعلم انها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله وقدره: هدى الله قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا، هُدى في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيراً منه).