| |
وتاليتها... أ.د. هند بنت ماجد الخثيلة
|
|
حين بدأ العمل بالسوق المالية السعودية، بدأ المؤشر حينها عند ألفين وخمسمائة (2500) نقطة، وما هي إلا سنوات لم تتجاوز أصابع الكف الواحدة، إن لم تقلّ عنها حتى زاد المؤشر على عشرين ألف نقطة، أي بحسبة بسيطة تضاعف المؤشر ثماني مرات! وسرقت (السكين المالية) الناس جميعاً وهبّوا فرادى وجماعات كي يلحقوا بنصيبهم من هذا الكسب الأعمى، دون أدنى معرفة لدى معظمهم بالمخاطر التي قد تترتب عليهم في حال حصلت هزة في مؤشر هذه السوق. لم يدم شهر العسل طويلاً فإذا بالعشرين ألف نقطة تهوي إلى ثمانية آلاف، وتبدأ المستشفيات والعيادات النفسية باستقبال أعداد كبيرة ممن أفلستهم السوق، (وخربت بيوتهم)، ويدخل سحر المال مع (السحَرة) الذين وظفوا أنفسهم لهذه الغايات مرة أخرى فتشب السوق عدة آلاف من النقاط، فيلجأ الكثيرون إلى بيع بيوتهم ورهن ممتلكاتهم، والاقتراض من البنوك بهدف تعويض ما خسروه من الهزة الكبرى، وما هي إلا أيامٌ قليلة حتى تهوي السوق مرة أخرى دون الثمانية آلاف تلك.. فتصبح الخسارةُ مركبة وفوائد الديون مركبة أيضاً، ويذهب ضحية هذه المأساة عدد من المواطنين الذين زجّ بهم الجهل في أتون نار المال، فاحترقوا بها عن آخرهم، ولم يتبق لديهم ما يبيعونه، ولم يعد هنالك من يقرضهم للجولة القادمة! أفهم أن التجارة ربح وخسارة، وأفهم أن كل شيء قابل للربح فيه هو في الوقت نفسه معرض للخسارة والنقصان منه، ولكن ما الذي قدمه المسئولون في السوق للبسطاء من توعية وتبصير عدا عن بضع حلقات ومقابلات مع متخصصين في عالم المال، جاءت معظم أحاديثهم في التكهنات، دون القطع بالحقائق التي قد تأخذ بأيدي الغرقى إلى الشاطئ قبل أن يجرفهم الموج، فتبتلعهم ظلمة البحار! الذي لا يمكن فهمه أو استيعابه هو موقف البنوك من العملية برمتها بشكل عام، وبهذه الأحجية التي تسمى (صناديق الاستثمار) بشكل خاص.. فمقابل بعض الربح الذي قدمته البنوك لمن شاركوا في تلك الصناديق في بداية الأمر، جرّت البنوك على الناس البسطاء الويل والدمار، وذلك عن طريق نسبة الخسائر الهائلة والمتتالية على أموالهم المودعة لدى تلك الصناديق. أسئلة كثيرة في حاجة إلى إجابات، إن كانت هنالك إجابات.. فإذا كانت البنوك تسجل خسائر تصل إلى 80% بالمائة كما هو في صناديق الاستثمار، وإذا كان التجار يسجلون خسائر باهظة، وإذا كان الناس كلهم يبكون حسرة على ضياع كل ما لديهم فمن هو الرابحٌ إذاً؟! يقال بين الحين والآخر إن هناك مضاربين يلعبون بالسوق كما يشتهون، وأن في أيديهم الحلَ والربطَ والربحَ والخسارة.. يقال إن في أيديهم كل شيء، والسؤال: من هم هؤلاء المضاربون؟ لماذا لا يقالُ لنا إن فلاناً من الناس هوايته خراب بيوت بقية الناس؟ ولماذا يتم السكوت عليهم، وتستمر آلاتهم التدميرية في قتل جيوب الناس دون استثناء، بدون خوف من سؤل أو مساءلة، وبدون وازعٍ من ضمير، وبدون خوفٍ من حساب وعقاب! أفترض أن يتم - وبأقصى سرعة - اتخاذ إجراءات محددة وناجحة للحفاظ على ما تبقى من نفوس الناس حتى لو اقتضى الأمر إغلاق السوق المالية، إن كان إصلاحها متعذراً، وإن كانت بعض النفوس فيها قد مرضت المرض الذي لا يفيد فيه حتى الكيّ.... وتاليتها؟!!!
|
|
|
| |
|