| |
يارا المناصحة عبدالله بن بخيت
|
|
في كل مرة تجري حادثة عنيفة ذات طبيعية دينية أو تتوسل الدين مبرراً لها يقفز في ذهني سؤال حول شكل الثقافة التي تقود منجزي هذه الحادثة والمبررات يلتمسونها لها. ما المصادر الثقافية المحرضة؟ الشيء الذي يصعب إنكاره أن كل هؤلاء الذين صاروا وقوداً لهذه الحوادث هم ضحية لغياب ثقافة الكتاب الحديثة وسيطرة ثقافة الكتاب القديم والثقافة الشفهية التي تقوم على مخاطبة العاطفة برنين الكلمات والصوت الجهوري الرنان.. استمعت وقرأت مقالات لبعض ممن يقومون بدور المناصحة، وممن يتصل بأصحاب الفكر الضال لمحاججتهم وتبيان ضلال معتقدهم. في بعض الأحيان أشعر أن هؤلاء المناصحين هم في حاجة إلى من يناصحهم. هم المشكلة وليسوا الحل. المسافة بين المناصح وصاحب الفكر الضال مسافة شكلية لا جوهرية، فكلاهما ينطلق من أن الحرب على الكفار واجب حتمي، بل إن الحرب ضد المسلمين المخالفين في المذهب لا يقل ضرورة وحتمية في عقل الطرفين، ولكن الفرق بين الناصح والمنصوح يكمن في التوقيت فقط. فأصحاب الفكر الضال أخطؤوا التوقيت. بدؤوا المعركة قبل أوانها. فالمسلمون كما يرى هؤلاء لا يملكون القدرة المادية للنصر في المعركة في الوقت الحاضر وعليهم تأجيلها فقط. المحاججة لا تدور حول الفكر الممتلئ بالعدوان ذاته والتعاون على إقصائه، ولكن على توقيت إشعال هذه الحرب الحتمية. كلا الطرفين يقرأ من الكتاب نفسه ويصدر عن المنطلقات نفسها ويتجه إلى الأهداف نفسها. سمعت مرة محاضرة لأحد هؤلاء المناصحين الذين يدورون على المخيمات الدعوية يطالب الشباب بتأجيل المعركة مع الاحتفاظ بزخم الدعوة إليها، ويؤكد في الوقت نفسه حدة الانقسام في العالم، (الخير المطلق والشر المطلق) كما ينادي بوش. ثم يخلط السياسة بالدين خلطاً مبرمجاً حتى يصل إلى أهدافه المنسجمة مع أهداف أصحاب الفكر الضال مستنداً في خطبته إلى الأحداث السياسية الجارية لا على الآيات القرآنية المرجع الأساسي للأمة. عندما يتدبر المرء القرآن الكريم يظهر له أن الفكر الذي يقود هؤلاء (الناصح والمنصوح) لا علاقة له بما جاء في الكتاب الكريم. بل بالعكس سيرى أن الإسلام دين قائم على السلام. دعونا نقرأ الإحصائية التالية التي وردت في كتاب (الدين والايجلوجيا) لمؤلفه محمد الرحموني عن علاقة الكتاب الكريم بالقتال والسياسة، يقول: (... فلا نعثر في القرآن على الألفاظ المعهودة لدى العرب في وصف حروبهم مثل: بسالة، وجرأة، وجسارة، وحماسة، وشجاعة، ومروءة.. كما أن المعجم العسكري محدود في القرآن رغم أنه خصص حيزاً لا بأس به للحديث عن الحرب، ففعل غزا لم يذكر إلا مرة واحدة وكان ذلك متعلقاً بالكفار. وأفعال مثل: هجم، ووثب، وذهب، وسبى لا وجود لها في القرآن، أما ما يتعلق بأدوات الحرب، فالسيف لم يذكر قط في القرآن، والرمح ذكر مرة واحدة في سياق الحديث عن الصيد. وأخيراً فإن الجنة القرآنية لا أثر فيها لمباهج الحرب (بنات الحور) وفي مقابل ذلك نجد ألفاظاً كثيرة تعني القوة والنشاط وتمجيد المثابرة والصبر على الألم وتدعو إلى ضرورة طاعة أوامر الله، إذ هي أهم من الحرب فالنصر يوفره الله لا الإنسان...). هذه الإحصائية السريعة تعكس لنا المنظور الصحيح لقيمة الحرب في الدين الإسلامي بوصفه دين السلام إذا نحن تركنا دعاوى أنصار القوة والعنف والتفتنا إلى قراءة القرآن الكريم مباشرة وعلمناه أولادنا بعيداً عن المخيمات الدعوية والتجمعات المشابهة.
* yara4u2@hotmail.com |
|
|
| |
|