| |
أضواء اجتثاث سرطان الميليشيات جاسر عبدالعزيز الجاسر
|
|
الذين تحدثوا عن الشأن العراقي والذين تصدّوا لأزمته بالبحث والتقصي سعياً لإيجاد حلول لهذه الأزمة أجمعوا على أن المليشيات الطائفية التي شكّلتها الأحزاب الشيعية لمشاركة القوات الأمريكية في بسط سيطرتها على المناطق العراقية خرجت فيما بعدُ عن السيطرة؛ حيث أصبحت قوة عسكرية تتلقّى أوامرها من قادة الأحزاب الطائفية التي هي الأخرى تنفذ أجندة تخدم دولة إقليمية ليس بالضرورة تتطابق مصالحها وأهدافها مع مصالح العراق الوطنية. وقد تمكّنت الأحزاب الطائفية من خلال المليشيات الطائفية التي أصبحت بمثابة أذرع عسكرية لتلك الأحزاب من فرض سيطرتها على الحكومات العراقية المتعاقبة، بل كثيراً ما هدّدت تلك الأحزاب التي تشارك في الحكومات التي شُكِّلت في عهد الاحتلال الأمريكي رئيس الحكومة سواء بالانسحاب من الحكومة أو الصدام مع قواتها عسكرياً إذا لم تنفذ مطالبها التي في مجملها تُبلَّغ لها من خارج الحدود. ولهذا فإن إسباغ الدعم لهذه المليشيات من قبل الأحزاب الطائفية، سواء الشيعية لمليشياتها والكردية للبيشمركة، غير خافٍ؛ إذ إن جميع المليشيات التي تعمل على الساحة العراقية تتمتّع بغطاء أيديولوجي وسياسي، بينما تعمل إلى جانبها وبعضها يشارك في إجرامها عصابات الجريمة المنظمة التي وجدت مجالاً رحباً للقيام بأعمالها الإجرامية؛ كالخطف، وقطع الطرق، والقيام بعمليات القتل المأجورة، والقيام بأدوار مرسومة من خلال تجنيد هذه العصابات والدفع لها لتأدية مهامّ من قبل أجهزة مخابرات وحتى أحزاب مشاركة في الحكومة. ويؤكد المهتمون بالشأن العراقي أنه لا يوجد فارق كبير بين ما تقوم به المليشيات والعصابات الإجرامية؛ فكلا التنظيمين العسكريين تدفع لهم جهات من خارج الحدود، سواء أجهزة المخابرات لعصابات الإجرام أو إيران للمليشيات التي أيضاً تموِّل عملياتها من سرقة المواد البترولية والمتاجرة بها. ولهذا فإن عناصر المليشيات يتصرفون كمرتزقة، وهو ما يفسِّر حالات الانفلات وعدم الانضباط التي تسود تنظيمات جيش المهدي الذي لا يلتزم كثيراً بتعليمات قائده الروحي مقتدى الصدر. وقد وجد الباحثون في موضوع المليشيات أن عناصر هذه التنظيمات يتصرفون وينهجون نهج المرتزقة وليس كمقاتلين في قضية وطنية كما يزعمون، فهناك ضمن صفوف المليشيات فرق موت مأجورة لقتل أعضاء الطوائف الدينية المنافسة، وهي متخصصة في قتل علماء السنة وأطبائهم وكبار الضباط السابقين وحتى الحاليين وأساتذة الجامعات، وحتى أبناء الشيعة من الذين لا يتّفقون في الفكر والرأي مع الأحزاب الطائفية الشيعية يجري تصفيتهم وقتلهم بعد أن يُحذَّروا ويطلب منهم العمل ضمن دائرة التسييس الطائفي، وقد أُبعد العديد من أساتذة الجامعات الشيعة وجرى قتل بعضهم؛ لأنهم رفضوا الانضمام إلى الأحزاب الشيعية الطائفية. ويجزم المهتمون بالملف العراقي بأن المليشيات الطائفية هي بمثابة (سرطان طائفي مسلّح) لا يمكن القضاء عليه وتخليص العراق منه إلا باجتثاثه وبتره تماماً مثلما يُبتر الجزء المسرطن من الجسم.
jaser@al-jazirah.com.sa |
|
|
| |
|