| |
في ضوء خسارة السوق 60.5%... أما آن الوقت لتفعيل صندوق صانع السوق؟ هل فعلاً بمقدور أسهم الدولة أن تضمّد نزيف خسائر المستثمرين؟ د. حسن الشقطي
|
لقد وصلت سوق الأسهم المحلية إلى حالة مزرية للغاية لدرجة أنه يمكن القول إنه لا يوجد بالسوق مَن لم يخسر! فالسوق اليوم تتصف بالنزيف المتواصل والأسعار المتدنية ومكررات الربحية التي لم يكن يتصور أحد أن الأسهم يمكن أن تصل إليها، ومع ذلك، فلا يزال النزيف مستمراً، والمستثمرون صامدين، ولكن هل سيدوم صمودهم وإلى متى؟ إن التآكل المستمر لمستويات الأسعار أصبح اليوم أقوى من مقدرة المستثمرين على تحمله، بل إن استمرار هذه الحال لفترة ولو قصيرة قد يفقد السوق أهم ما تملك وهي السيولة التي لن تهرب ولكن ستتآكل بتآكل أسعار الأسهم، ناهيك عن أن احتمالات دخول سيولة جديدة أصبحت غير واردة، على الأقل حتى يتوقف التآكل؛ لذلك برزت مؤخراً بشكل جدي توجهات رسمية لدراسة إمكانية تأسيس صندوق حكومي صانع للسوق، وركزت هذه التوجهات هذه المرة على الاعتماد على أسهم الدولة في تنفيذ فكرة إنشاء هذا الصندوق. ونسعى في هذا التقرير إلى توضيح ماهية هذا الصندوق، ومدى الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا الصندوق، والسعي إلى رسم صورة هيكلية لكيفية عمله اعتماداً على أسهم الدولة، بل السعي للإجابة عن التساؤل حول هل بمقدور حصة الدولة في السوق أن تحفظ توازنها واستقرارها؟ وأخيراً ما هي دلالات تفعيل هذا الصندوق؟ وبالتحديد، هل تفعيل هذا الصندوق يدلل فعلاً على انتهاء المسار الهابط للسوق؟ ما هو صندوق صانع السوق Market Maker؟ يعرف صانع السوق بأنه هو ذلك الطرف الذي يتعامل في السوق بهدف تحقيق التوازن - الاستقرار في السوق، إلى جانب سعيه لتحقيق الربح من وراء تداول الأسهم في سوق معينة، وذلك بعد الحصول على الترخيصات المطلوبة من الجهات الرسمية. يقوم هذا الطرف بضبط إيقاع التداول على هذه الأسهم، والحفاظ عليها عند مستويات عادلة يتم تحديدها بناء على أسس التحليل الفني والأساسي، بمعنى أنه يدخل كبائع أو مشتر لهذه الأسهم في أوقات وجود ضغوط كبيرة على العرض أو الطلب، ويتكون ربحه من الفرق بين سعري البيع والشراء. ما المهام التي يؤديها صندوق صانع السوق؟ يلعب صناع السوق مهام جوهرية في كل أسواق المال العالمية، وبخاصة الأسواق المالية الصاعدة أو الناشئة. تتبلور هذه المهام بشكل رئيسي في الحفاظ على مستوى كفاءة واستقرار السوق، ففي أي سوق تنخفض مستويات كفاءة أداء السوق عندما يوجد هناك طلبات شراء لا يقابلها طلبات بيع، وكذلك الحال عندما توجد طلبات بيع ولا يقابلها طلبات شراء، فعندما توجد طلبات شراء ولا توجد طلبات بيع، يدخل صانع السوق كبائع، وعلى العكس عندما توجد طلبات بيع ولا توجد طلبات شراء، يدخل صانع السوق كمشتر؛ من هنا، يتضح أن صانع السوق يلعب دوراً أساسياً في تسهيل عمليات تسييل الأسهم أو العكس. وتمثل مهمة تسهيل تسييل الأسهم المهمة الرئيسية التي يحافظ الصندوق من خلالها على السوق من الانهيار؛ ففي أي سوق لو سعى العارضون لبيع أو تسييل محافظهم في وقت معين ولم يتمكنوا، فمن السهل أن ينتشر ذلك الأمر بما يسبب ذعراً بين المتعاملين في السوق؛ الأمر الذي قد يسبب انهياراً شاملاً. ويمكن تحديد مهمتين رئيسيتين لصندوق صانع السوق كما يلي: 1 - ضخ السيولة عند تراجع الطلبات لمنع الهبوط غير المبرر. 2 - ضخ الأسهم عند تراجع العروض لمنع الصعود غير المبرر. ما الشروط الضرورية لنجاح صندوق صانع السوق؟ في دراسة سابقة أعدها قطاع سياسات الاستثمار والأوراق المالية بوزارة التجارة الخارجية المصرية حول أدوات وطرق تنشيط سوق المال المصري، تم تحديد الشروط الواجب توافرها في صندوق صانع السوق فيما يلي: 1 - توافر الملاءة المالية. 2 - القدرة التسويقية التي تمكنه من تلبية طلبات الشراء وعروض البيع على الأسهم التي تختص بالتعامل عليها. 3 - توافر الخبرة الفنية في عمليات التدخل السريع وفي الوقت المناسب للتحكم في الارتفاع أو الانخفاض غير المحسوب لأسعار بعض أسهم النشاط. 4 - توافر كوادر مهنية ومدربة على التحليل الفني والأساسي وتمتلك خبرة كبيرة في التعامل في أسواق الأسهم في الدول المختلفة. في ضوء تراجع السوق بنسبة 60.5%.. بدء تحركات لتأسيس صانع السوق في ظل التراجع الكبير والمستمر للسوق السعودية، سواء على مستوى مؤشرها العام الذي انحدر من 20635 في 25 فبراير إلى 8159 نقطة حسب إغلاق السبت الماضي، أي تراجع بنسبة 60.5%، أو على مستوى قيمته السوقية التي انحدرت من مستوى 3.1 إلى 1.2 تريليون ريال، في ظل كل ذلك الانحدار أصبح من الضروري السعي لإيجاد الوسائل والأساليب التي تعيد الثقة المفتقدة في السوق، ولعله يوجد العديد من الطرق لاستعادة هذه الثقة المفقودة، ولكن يوجد مشكلات مرتبطة بكثير منها، فعلى سبيل المثال استعادة الثقة في السوق من خلال المحفزات أو التصريحات الرسمية ربما تقود إلى توسع وصعود غير مبرر للمؤشر؛ وبالتالي قد تعود السوق إلى مستوياتها المتضخمة من جديد، وقد يحدث ذلك سريعاً؛ وبالتالي تكون السوق مؤهلة للدخول في حلقات تصحيحية جديدة؛ لذلك، فقد جاءت فكرة إنشاء صندوق صانع السوق الذي يتميز ليس بقدرته على استعادة الثقة المفتقدة فقط، ولكن بالحفاظ على السوق والمؤشر عند مستويات توازنية تعبر عن الأداء المالي لشركات الأسهم. وفي ضوء ذلك، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن: هل فعلاً بمقدور حصة الدولة في الأسهم أن تحفظ توازن واستقرار السوق؟ كما هو موضح في الجدول بعد الانهيار الكبير... كم حصة الدولة في السوق الآن؟ يوضح الجدول 1 أن الدولة تمتلك حصصاً في أسهم نحو 33 شركة من إجمالي 84 شركة مدرجة بالسوق. كما يشير الجدول إلى أن حصة الدولة في سوق الأسهم تقدر الآن وبعد تراجع السوق بنحو 34.1%، حيث تقدر القيمة السوقية لحصة الدولة بنحو 422.5 مليار ريال، في مقابل أن إجمالي السوق يقدر حالياً بنحو 1241 مليار ريال، إلا أن هذا الجدول يوضح معلومة على قدر كبير من الأهمية وهي أنه على الرغم من أن نصيب الدولة في قيمة رسملة السوق يقدر بنحو 34.1%، إلا أن نصيبها في عدد الأسهم المدرجة في السوق يزيد على ذلك بكثير حيث يصل إلى 75.4%؛ الأمر الذي يشير إلى ما يلي: أولاً: الخسائر الكبيرة الحادثة في السوق مؤخراً نالت كثيراً من أسهم الشركات التي تمتلك الدولة فيها حصصاً كبيرة، حيث إنه رغم أن معدل هبوط السوق وصل إلى 60.5% فقط، إلا أن متوسط هبوط الأسهم التي تمتلك الدولة حصصاً في شركاتها وصل إلى 66.8%. ثانياً: رغم النتيجة المتوصل إليها في أولاً، إلا أنه في نهاية المسار الهابط وتحت افتراض اقتراب كل الأسهم من قيمها الاسمية (افتراض نظري) لأن نسبة مشاركتها في عدد الأسهم في السوق الآن هي 75.4%؛ الأمر الذي يؤكد أن الدولة تمتلك حصة معنوية ومهمة في مقدورها تأسيس صندوق حكومي يمكن أن يلعب دور صانع التوازن في السوق، ويكون في مقدوره أداء هذا الدور بنجاح كبير. خصائص صندوق صانع التوازن المقترح في السوق السعودية!!! 1 - إن الصندوق بحسب طبيعة نشأته (اعتماداً على حصة الدولة في السوق) سيتعامل فقط بيعاً وشراءً في الأسهم التي تمتلك الدولة حصصاً فيها. 2 - إن معظم أسهم الصندوق هي أسهم تعود إلى شركات عوائد في السوق، أي من الشركات الرابحة. 3 - إن قيمة السوق المقترح إنشاؤها تقدر بالقيمة السوقية بنحو 422.5 مليار ريال، في حين أنها تبلغ بالقيمة الاسمية نحو 140.4 مليار ريال فقط. 4 - إن قيمة الصندوق ستصل إلى نحو 34.1% من إجمالي قيمة الأسهم في السوق. 5 - إن الصندوق لن يتطرق إلى أي من أشكال المضاربات أو التداولات التي تستهدف الربح، ولكن كل تعاملاته ستهدف إلى الحفاظ على استقرار السوق، ولا يمنع أن يحقق معدلات ربح أثناء قيامه بأداء مهامه. إذا كان صانع التوازن سيمنع هبوط السوق.. فهل سيسمح بصعوده؟ البعض يعتقد أن صندوق صانع السوق هو الحل الأمثل لعودة الثقة إلى المساهمين في السوق وحفظ توازنها، لدرجة أن البعض يعتقد أن هذا الصندوق سيعوض عليه خسائره وأنه سيمنع الهبوط إلى أسفل صراحة، وسيدفع المؤشر إلى الصعود مرة ثانية كما في بداية هذا العام، إلا أن هذا الكلام غير صحيح، بداية صانع التوازن هو لضبط إيقاع وحركة التداول في السوق، وليس لتعويض خسائر الآخرين، هذا الصندوق إن لم يعمل بفكر سوقي وإن لم يسع إلى تحقيق ربح مناسب على الأسهم التي يمتلكها (حصة الدولة) فإنه سيفلس خلال فترة قصيرة جداً من عمله، وسيفعل به كبار المضاربين ما يفعلونه بصغار المساهمين في السوق، بمعنى أن هذا الصندوق يمكن أن يصبح له أثر سابيا في السوق بخسارة الدولة حصتها إن لم يتم إدارته بشكل كفؤ وبناء على معايير مالية وفنية. هذا الصندوق رغم أنه سيمنح المساهمين في السوق الثقة المطلوبة وسيزيل المخاوف والقلق من حدوث تراجعات أو انهيارات جديدة في السوق، إلا أنه في ذات الوقت لن يسمح بصعود المؤشر إلى أي مستويات غير مبررة؛ لذلك، فإن كل الأسواق التي تعمل بها صناديق صانعة التوازن تدور مؤشراتها داخل نطاقات ضيقة بحسب أرباح أو عوائد الشركات فيها، بمعنى آخر، فإن هذا الصندوق سيعمل على تنفيذ التقييم المالي السليم لحزمة الأسهم المدرجة في السوق، فكل أسواق المال الكفؤة لا تتحرك تحركات كبيرة صعوداً وهبوطاً، ولكنها تتصف بالاستقرار، وتتحرك فقط في مسارات تعبر عن نتائج أعمال شركات الأسهم. بداية لا نتوقع مطلقاً أن يتم تفعيل صانع التوازن في السوق طالما أن مستوى السوق لم يصل إلى المستوى الاستثماري المرضي؛ لأن عمل وتشغيل صانع التوازن سيصبح قيداً في مواجهة أي مسار هابط، بل سيصبح هناك خلل إن حدث هبوط أو تراجع رغم جاذبية الكثير من الأسهم الكبيرة في السوق لدى المستثمرين؛ فالمساهمون في السوق الآن متعطشون إلى الشراء، ومترقبون بكل عين ثاقبة للدخول، ومن ثم فإن تشغيل صانع للتوازن سيكون بمثابة الضوء الأخضر للجميع بالدخول والشراء الطويل؛ الأمر الذي سيدفع السوق بالتأكيد إلى مستويات أعلى من الحالية بنسب ملموسة، ولن يصبح ذلك مشكلة، ولكن المشكلة أن الجميع لن يتقبل أي معدلات للهبوط في ظل الطلب الكبير المتوقع عند تشغيل صانع التوازن الذي سيعيد الثقة المفتقدة إلى السوق. لكل ذلك، ومهما كانت المبررات، فإن عمل صانع التوازن في السوق سيكون بمثابة إعلان صريح بأن المسار الهابط وصل بالسوق إلى مستواها الاستثماري المرضي، وبأننا لن نقبل نزوله أكثر من ذلك، وبأنه حان الوقت لحفظ الاستقرار هنا؛ أي أن إطلاق صندوق صانع التوازن يعني انتهاء حركة التصحيح في السوق نهائياً، بمعنى أن هناك علاقة كبيرة بين تشغيل صانع السوق وبين انتهاء المسار الهابط. وبالطبع تتحرك هذه العلاقة لتشمل تقسيم السوق أيضاً؛ فمعظم الشركات التي تمتلك الدولة حصصاً في أسهمها (31 شركة) تنتمي إلى شركات العوائد وبخاصة الكبيرة؛ وبالتالي فإن هذه الشركات تكاد تكون هي الشركات المرشحة للسوق المنظمة أو السوق الأساسية بعد إتمام تقسيم السوق؛ فالصورة المقترحة مع تقسيم السوق أن يتم فصل وعزل أسهم شركات المضاربة الخاسرة في سوق مستقلة بحيث لا تدخل في تحديد قيمة مؤشر السوق العام.بمعنى آخر؛ فإن الشركات التي ستدخل في تأسيس الصندوق الحكومي صانع السوق هي الشركات الموضحة في الجدول (2) باستثناء الأسماك والفنادق، وهي ذاتها ستكون الشركات الرئيسية في السوق المنظمة للعوائد بعد التقسيم. وهنا تكون هيئة السوق المالية قد أصابت العديد من العصافير بحجر واحد، كما يلي: 1 - وصول المؤشر إلى مستواه التوازني بعد تفعيل صندوق صانع السوق حتى الآن. 2 - وصول أسعار شركات العوائد إلى مستويات مالية جذابة ولا يزال القطف مستمراً. 3 أن الحصص الرئيسية للدولة تقع في الشركات التي نالت الحظ الوفير من النزول. أي أن الهيئة يتوقع لها خلال فترة قريبة مقبلة أن تنجح في إنجاز مهمة السوق الاستثمارية (مسار تلقائي لم تتدخل فيه)، وتقسيم السوق، وإطلاق صندوق صانع السوق، والسماح للشركات بتداول نسبة من أسهمها (كمساعد رئيسي لصانع السوق ولن يسمح إلا لشركات العوائد بالطبع)، إلا أن زمن تحقيق هذه المهمة المزدوجة رهين بوصول المؤشر إلى المستوى الاستثماري المرغوب.
* محلل اقتصادي ومالي
|
|
|
| |
|