| |
محاور للحوار بين العالم الغربي والإسلامي نعيم سعيد الغول(*)
|
|
لم يعد خافياً على أحد أن العالم كله يتخبط في هذه الأيام، ولا يدري ماذا يفعل وأصبح تبادل الاتهامات شائعاً، وهذا ما يتطلب إجلاء الأمور بالحسنى، بشفافية، وصدق، وصراحة، لعل كل طرف يفهم الموقف الحقيقي للطرف الآخر، ويُترك حراً، ولا يفرض أحد آراءه على غيره ليعيش العالم بوئام وسلام. دفعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع أمور كثيرة، وأنا أتوجه به إلى المتطرفين من المسلمين، وللجهلة الذين يزدرون دينهم، وللعالم الغربي الذي يحمل للأسف فكرة مشوهة عن الإسلام والمسلمين. الواقع أن هناك جهلاً حتى من بعض علماء المسلمين - لا أقول بصلب دينهم - ولكن بعلوم أخرى ضرورية للحوار. فقبل سنتين تقريباً كان هناك حوار على إحدى الفضائيات العربية بين مسؤول الثقافة في أكبر وأقدم معهد إسلامي في العالم العربي وبين محاور تونسي. قال المحاور التونسي للمحاور الآخر: (هل تريدنا أن نعود إلى القرون الوسطى؟) فرد المحاور الآخر: لا طبعاً: ثم أضاف بخبث (هل تريدنا أن نعود إلى القرن السابع الميلادي؟) فرد بالجواب نفسه. وما علم صاحبنا أن المسلمين كانوا في قمة التقدم الحضاري والعلمي في القرون الوسطى، بينما كان الغرب يتخبط في دياجير الظلام فهم كانوا يسمون تلك العصور بعصور الظلام dark ages كما لم يعلم أن القرن السابع الميلادي هو القرن الذي ظهر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم. عند عقد حوار بين العالمين الغربي والإسلامي يجب طرح مسائل متعددة جوهرية وشائكة على الطاولة بكل صراحة وصدق وشفافية وإلا سيكون الحوار مضيعة للوقت. وأولى هذه النقاط هو توضيح سماحة الإسلام ورفضه للغلو والتطرف موثقاً بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وهي كثيرة جداً أذكر بعضها: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(سورة النحل 125)، {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }سورة فصلت 34)، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (سورة البقرة 256)، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} (سورة النحل 126). أما الأحاديث النبوية التي تحث على الاعتدال ونبذ التشدد في الدين فهي أكثر مما تحصى وأتركها للمختصين ولكن ألا يكفي أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما. كما استشهد بسماحة الإسلام وبرفقه بالحيوان ناهيك عن الإنسان، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله غفر لبغي من بني إسرائيل سقت كلباً كان يلهث من العطش، كما ورد أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض. وقصة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب الذي قيل إنه وأد ابنته معروفة للجميع حين قال: (أخطأ عمر وأصابت امرأة) عندما أراد أن يحدد المهور، ويقولون إن الإسلام يحتقر المرأة والأحاديث والأفعال في الأمور السالفة الذكر يضيق بها المجال. لا أريد أن استطرد في هذا المجال وأترك الأمر للمختصين من علماء الدين، إلا أن هناك نقاطاً جوهرية لا بد من طرحها ومناقشتها من دون مواربة أو مجاملة ونشرها في الجامعات ومراكز البحوث. من المعلوم أنه في العصور الوسطى كانت الكنيسة تتحكم في رقاب الناس وتحارب العلم والعلماء لدرجة أنها كادت أن تحكم على العالم الإيطالي جاليلو بالموت حرقاً عندما قال: إن الأرض تدور حول الشمس، بينما العلماء المسلمون في العصور الوسطى وفي زمن هارون الرشيد قاسوا محيط الأرض بدقة تامة بواسطة علم الفلك. ولما رأى الغربيون أن الكنيسة تقف بينهم وبين العلوم الدنيوية اضطروا إلى فصل الدين عن الدولة وهذا حقهم، وبالفعل أحدثوا ثورة علمية ولكن بعد أن درّسوا العلوم العربية والإسلامية لمدة تزيد على القرنين في جامعاتهم. أما نحن المسلمين فقد كنا في قمة التقدم العلمي في جميع المجالات من طب ورياضيات وكيمياء وفلك...إلخ، وقصة الساعة برقاص التي أهداها هارون الرشيد إلى ملك الفرنجة شارلمان الذي ظن أن بداخلها شيطان معروفة للجميع. ولم يقتصر الأمر على الاكتشافات العلمية فقط، فابن خلدون القاضي وعالم الدين يعد مؤسس علم الاجتماع من خلال مقدمته المشهورة في علم العمران بشهادة كثير من الغربيين المنصفين، وليس أوجست كونت الفرنسي، ومن بين المصادر الغربية التي تثبت ذلك (انظر الموسوعة البريطانية) تحت مدخل ابن خلدون ومدخل أوغست كونت. الغرب لن يرضى عنا إلا إذا فصلنا الدين عن الدولة، ولكن كيف يريدون منا أن نفصل الدين عن الدولة، والإسلام هو الذي فجّر فينا الطاقات ودفعنا لاكتشاف العلوم الدنيوية، ويكفي أن نزول القرآن الكريم بدأ بكلمة (اقرأ) فيجب أن يفهموا هذه الحقائق، وبُعدنا عن ديننا الحق هو سبب تخلفنا العلمي والحضاري. وأما النقطة الثانية فهي أن الحروب الصليبية تركت أحقاداً وتشويهات للإسلام لدى الأوربيين بدلاً من أن تترك أثراً طيباً في نفوسهم لما وجدوه من سماحة الإسلام والمسلمين. فهم عندما احتلوا القدس قتلوا 70 ألف مسلم حتى قيل إن خيولهم غاصت في دماء المسلمين حتى ركبها، ولما استعادها صلاح الدين افتدى الأسرى الصليبيين الفقراء من جيبه الخاص، وعالج أطباؤه عدوه الأول ريتشارد قلب الأسد ملك الإنجليز ولم يقتلوا صليبياً واحداً. وعندما استولى الفرنجة على الأندلس أقامت الكنيسة محاكم التفتيش المشهورة Inquisition Tribunals لتعذيب المسلمين واليهود، ومن ثم إجبارهم على التحول إلى النصرانية، فهرب كثير من اليهود إلى الدولة العثمانية المسلمة فاستقبلوا بكل ودٍّ وعاشوا بين المسلمين الأتراك بأمن وسلام، وعندما استولى كمال أتاتورك - وهو من يهود الدونمة أي اليهود الإسبان - على السلطة في تركيا، فأول عمل قام به هو إلغاء الخلافة، وتغيير الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية للقضاء على القرآن. والواقع أن الصورة المشوهة عن المسلمين والإسلام هي قبل الإرهاب والإرهابيين، فقبل 40 سنة عندما كنت مترجماً في مركز التدريب المهني في القصيم سألني خبير الكهرباء الإنجليزي في المركز فيما إذا كنا نزور قبر ربنا في المدينة! أما النقطة الثالثة فهم يعيبون علينا العودة إلى العصور الوسطى - وقد أوضحت ما كان عليه المسلمون من حضارة وتقدم في العصور الوسطى - ويعيبون علينا العودة إلى القرن السابع الميلادي أي عصر ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلماذا يحق لهم أن يعودوا إلى العصر الخامس قبل الميلاد لاتخاذ وتبنّي الديمقراطية اليونانية نظاماً لهم، ويذكرني ذلك بقصة حصلت مع أخ لي وابن عمه. فقد كان مدرس الدين يضع أحرفاً بدل علامات عند اختبار الطلاب شفهياً، وذات مرة قال ابن عمي لأخي: يا ابن عمي لقد وضع الشيخ ناصر لك حرف (م) ووضع لي حرف (م) أما ميمي فهي ممتاز وأما ميمك فهي متوسط! والنقطة الرابعة هي قولهم إن الإسلام انتشر بالسيف، وهذا باطل تماماً. لقد كان المسلمون يزيحون الحاكم الحاجز بين شعبه والإسلام، ثم يتركون الشعب حراً في البقاء على دينه أو اعتناق الإسلام، والدليل واضح جداً وهو أن النصارى لا يزالون يُعّدون بالملايين في بلاد الشام ومصر وغيرها، وقصة القبطي الذي سبق ابن عمرو بن العاص حاكم مصر مشهورة عندما لطمه ابن عمرو بن العاص قائلاً له: كيف تسبق ابن الأكرمين، فاشتكى والده ابن عمرو بن العاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب فأمر بإحضار ابن عمرو بن العاص وطلب من القبطي أن يلطم ابن عمرو بن العاص قائلاً: (ألطم ابن الأكرمين)، وقال قولته المشهورة (كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)؟ قبل أن يقولها جان جاك روسو بأحد عشر قرناً في كتابه العقد الاجتماعي social contract (يولد الإنسان حراً ويمشي مكبلاً بالقيود في كل مكان) Man is born free and everywhere walks in chains. وقد أصبحت إندونيسا بلداً مسلماً عن طريق التجار وكذلك الفلبين، وكثير من علماء المسلمين المشهورين يقولون إنه لا داعي الآن للجهاد إلا للدفاع عن النفس، حيث يمكن نشر الإسلام بالإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات الأخرى. فالعالم أصبح قرية واحدة، فالإسلام هو أبعد الأنظمة عن التطرف والإرهاب كما يتضح من الآيات والأحاديث السالفة الذكر (ولكن) - هذه الكلمة التي يريد بعض الكتاب الغربيين والمسلمين حذفها من اللغة العربية - الإرهاب له جذوره ومسبباته. فالغرب في الواقع هو المسؤول عنه نتيجة ازدواجية المعايير التي يتبعها والظلم الفادح الذي يلحق بالعالمين العربي والإسلامي، وبخاصة ما لحق بالشعب الفلسطيني. ولكن في البداية سأعرِّج باختصار على غزو العراق لأسباب ملفقة ثبت كذبها واعترفوا هم أنفسهم أنه لا أساس لها. لقد دمروا العراق ولا يزالون، وتسببوا في قتل 650 ألف عراقي كما أفادت إحدى لجانهم، وقسموا العراق شيعاً وأحزاباً وخلقوا الإرهاب. وما يدري جون أبو زيد قائد المنطقة الوسطى عندما ألقى محاضرة في جامعة هارفارد مؤخراً قائلاً: إنه إذا لم يُقض على المتشددين الإسلاميين فستنشب حرب عالمية ثالثة وشبَّه التشدد الإسلامي بالفاشية في أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية، ولم يدر أنه والمحافظون الجدد هم الفاشيون الذين غزوا بلداً مسلماً فخلقوا الفاشية والتطرف. ولم يدر أن المحافظين الجدد وعلى رأسهم الرئيس بوش الابن يعلنون صراحة أنه لا بد من قيام حرب عالمية تقضي على ثلثي البشر تمهيداً لنزول المسيح، والغريب أن المسيح الذي سينزل هو مسيح اليهود وليس مسيح النصارى عليه السلام الذي يصفه اليهود بالمسيح الدجال.ولكن لا بد من تناول القضية الفلسطينية بشيء من التفصيل وما لحق بالفلسطينيين من ظلم وحيف لعلَّ العالم الغربي يعترف بأنه هو الذي خلق الإرهاب والتطرف ويرجع عن غيه باتهامه المسلمين ويكفّر عن خطيئته ويعيش العالم بسلام ووئام. فقبل الانتداب البريطاني لم يكن لليهود إلا أقل من 1% من مساحة فلسطين وكانوا يعيشون بأمن وسلام بين الفلسطينيين، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى انتدبت الأمم المتحدة بريطانيا لحكم فلسطين من أجل تنفيذ وعد بلفور المشؤوم لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين والذي امتد لعام 1948م فأخذت الهجرات اليهودية تتوافد على فلسطين من كل أنحاء الأرض تحت سمع وبصر، بل حماية البريطانيين وحاكم فلسطين هربرت صموئيل اليهودي البريطاني. وطوال مدة الانتداب البريطاني الذي دام 28 سنة لم يحصل اليهود إلا على 7% من مساحة فلسطين مع أن بريطانيا منحتهم مساحات شاسعة من الأراضي الحكومية، كما باع إقطاعيون سوريون ولبنانيون كانوا يمتلكون الأرض في فلسطين في عهد الدولة العثمانية مساحة مليوني دونم أي ألفي كم2، وكذلك باع بعض الفلسطينيين 58 ألف دونم أي ثمانية وخمسين كم2 نتيجة الفقر المدقع الذي وضعتهم فيه بريطانيا، مع أنهم قتلوا جميعاً على أيدي المقاومة الفلسطينية، وهذا موثّق في كتاب (جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن) لوزير خارجية ليبيا الأسبق مسعود بويصير الذي ضلَّلت إسرائيل طائرته المدنية وجعلتها تطير فوق سيناء المحتلة حينذاك ثم أسقطتها بإطلاق ثلاثة صواريخ جوّ جوّ عليها، وأعتقد أن كل ذلك بسبب هذا الكتاب المدعَّم بالوثائق والمستندات. ولما اطمأن اليهود إلى قوتهم وتسليحهم أخذوا يرتكبون أعمالاً إرهابية حتى ضد الإنجليز ليجبروهم على الخروج من فلسطين لأنهم لا يستطيعون إعلان دولة إسرائيلية وبريطانيا لا تزال منتدبة على فلسطين، وقصة نسف فندق الملك داود في القدس التي أودت بحياة العشرات من البريطانيين بين قتيل وجريح معروفة للجميع. أما بريطانيا التي كانت تحكم بالإعدام على أي فلسطيني يمتلك بندقية عثمانية قديمة فهي أيضاً عندما اطمأنت أنها أكملت مهمتها في التمهيد لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين أنهت انتدابها عام 1948م، فنشبت حرب بين اليهود المُدَّربين والمدججين بالسلاح والفلسطينيين العزَّل. وقد أصبح مناحيم بيجن وشامير اللذين اشتركا في نسف فندق الملك داود وتسببا في مذبحة ديرياسين القرية العربية التي أبيد سكانها بالكامل نساء وأطفالاً ورجالاً، أصبحا من رؤساء ووزراء إسرائيل، والغريب أن مناحيم بيجن قد فاز بجائزة نوبل للسلام! وأسفرت تلك الحرب عن احتلال اليهود 71% من فلسطين، وأعلنوا دولتهم على 78% منها من أصل مساحتها البالغة سبعة وعشرون ألف كم2 وبقي من فلسطين 22% فقط هي قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 300 كم2 فقط أي بحجم حي متوسط من أحياء الرياض وتبع ذلك القطاع للحكم المصري، ثم ما يُسمى بالضفة الغربية أي الجزء الذي لم يحتل عام 1948م والبالغة مساحته أقل من ستة آلاف كم2 أي ضعف مساحة مدينة الرياض تقريباً فألحق بإمارة شرق الأردن لتصبح ضفتا نهر الأردن الغربية والشرقية (المملكة الأردنية الهاشمية). والصراع الآن يدور بين اليهود والفلسطينيين على 22% من فلسطين التي بنت إسرائيل مستوطنات على 50% من مساحتها بعد احتلالها في حرب 1967م. لقد دمر الإسرائيليون 400 قرية فلسطينية عام 1948م، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جميع مدن إسرائيل باستثناء تل أبيب (تل الربيع) هي مدن فلسطينية عربية محتلة، وحتى ما تسميه معظم المحطات الفضائية العربية بالأسماء الإسرائيلية هي مدن وقرى عربية محتلة مثل بيت شآن (بيسان)، وبير شيفع (بئر السبع)، وأشكيلون (عسقلان) ومجدو (اللجون) احتلها اليهود وأطلقوا عليها أسماء يهودية عبرية. وبالمناسبة، فإن إسرائيل ليست عضواً شرعياً في الأمم المتحدة، وأستغرب كيف لا يثير القانونيون العرب هذا الأمر. فمن المعروف أن إسرائيل على الرغم من اعتراف الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بها لحظة إعلانها لدولتها، إلا أن بريطانيا التي خلقتها ومعظم دول الأمم المتحدة لم تعترف بها إلا بعد ستة أشهر من إعلانها وفق شروط رضيت بها إسرائيل، ووقعت عليها، وهذه الشروط هي تعهد إسرائيل بإعادة اللاجئين الذين طردتهم والموزعين بين لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وغزة إلى أراضيهم ومنازلهم المحتلة، وأن تعود إلى الأراضي التي أُعطيت لها في قرار التقسيم عام 1947م وهو 51% أي تعود عن 20% مما احتلت عام 1948م، وهناك شرط ثالث لا أذكره وهي لغاية الآن لم تف بتعهدها فلا هي أعادت اللاجئين، ولا عادت إلى التقسيم الظالم لعام 1947م، بل احتلت بقية فلسطين وهي ترتكب المجازر في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم عام 1948م من أراضيهم ومنازلهم ولاحقتهم حتى في لبنان عام 1982م بمجازر مخيمي صبرا وشاتيلا المشهورة، وكل هذا ولا أحد يحرك ساكناً، والفيتو الأمريكي جاهز لنقض أي قرار يدين إسرائيل في مجلس الأمن. فهذا هو الذي يخلق الإرهاب، فالإرهاب ليس سببه الإسلام، ولكنه ناتج عن الظلم وازدواجية المعايير، فهل اليابانيون الذين تعاطفوا مع القضية الفلسطينية في الستينيات، ونزلوا في مطار تل أبيب، وفتحوا رشاشاتهم على من في المطار، فقتلوا وجرحوا العشرات من اليهود هم مسلمون، وهل الجبهة الشعبية الفلسطينية، والحزب القومي السوري الاجتماعي في بلاد الشام اللذان يقومان بعمليات استشهادية أو انتحارية أو إرهابية - سمها ما شئت - مدفوعان من منطلق إسلامي، إنه الظلم ولا شيء غير الظلم. لقد قرأنا جميعاً عن الحشاشين في قلعة الموت في سوريا في العصور الوسطى كيف عاثوا في الأرض فساداً حتى إن كلمة assasinate الإنجليزية التي تعني القتل والاغتيال جاءت من اسمهم. لقد جرَّد الحكام عليهم الجيوش الجرارة فكانوا يزدادون قوة ومنعة بالتحاق المظلومين بهم، وبقلعتهم، إلى أن جاء حاكم عادل وأظنه نور الدين زنكي فذابوا من أنفسهم لأن مدد المظلومين انقطع عنهم. كل هذه الأمور يجب أن تطرح للنقاش بكل شفافية وصدق، فحينئذ، قد يصبح الحوار مفيداً، ويعيش العالم في سلام، من دون أن يعتدي أحد على أحد، ومن غير أن تلصق بأحد صفة الفاشية والنازية.. إلخ، فهل يتحقق ذلك؟ .
(*) مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
|
|
|
| |
|