| |
جدل حول الآلية المتبعة لتحديدها لكيلا تكون علاوة الإصدار عائقاً أمام الاكتتابات الجديدة د. عقيل محمد العقيل
|
|
من منّا لا يريد المطر، ويريده بغزارة فالماء كلّه خير وبركه {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَي}سورة الأنبياء، والماء يحيي النفوس ويجلي عن النفس الهمّ والغمّ، وما أكثر الهموم هذه الأيام. ولكن ماذا لو جاء الماء بغزارة ليست متوقعة ولا توجد القنوات التي توجهه إلى ما يمكننا من الاستفادة منه الاستفادة المثلى، بالتأكيد سنكون أمام خيارين، أحدهما أو كلاهما، الأول أن يذهب هذا الماء دون فائدة تذكر وهذه خسارة تجعلنا نعض أصابع الندم وقت الجفاف، والثاني أن يفيض الماء فيهلك الحرث والنسل والضرع وهذه خسارة أكبر، والخسارة الأشد إذا دمرتنا المياه وذهبت إلى غير رجعه، وفي سبيل الاستفادة من مياه الأمطار الغزيرة وتجنب أخطارها بنيت السدود والقنوات وشيّدت أنظمة الصرف الفعالة. والمال كما الماء، قد يكون شحيحاً فيعاني الناس من الفقر والجوع والتخلف، وقد ينهمر بغزارة فتزدهر البلاد وتنمو إذا فتحت له القنوات الاستثمارية التي تجعله يسيل في الاقتصاد الوطني خيراً ونمواً، وإلا أصبح وبالاص على أهله إذا ضاقت به القنوات حيث يفيض في قناة واحدة فيغرق أهلها كما حصل لدينا في سوق الأسهم السعودية، حيث أصبحت السيولة وبالاً على معظم المواطنين الذين فقدوا معظم أو كل مدخراتهم وعرق سنينهم، ولا أبالغ ان قلت إن جزءاً كبيرا من دخولهم لسنوات قادمة، مما أورثهم الهمّ والغمّ، وهم يتساءلون: لماذا هذه المأساة والبلاد تنعم بسيولة لا مثيل لها؟ وأقول: نعم سيولة كبيرة ولكن في ظل قنوات مغلقة.ما العمل إذا لنحول تلك السيولة التي وصلت لأكثر من 620 مليار ريال إلى منافع تعم الجميع؟ وكيف لنا أن نغنم فوائدها ونتجنب أخطارها؟ الحل بالتأكيد يتمثل في إيجاد علاقة إيجابية بين رجال الأعمال وأصحاب المدخرات، علاقة قائمة على تحقيق المصالح المشتركة المحققة للمصلحة العامة بطبيعة الحال، وهذا ممكن إذا أوجدنا آليات فعالة وآمنة لنقل الرساميل بين الطرفين، بحيث يجد رجال الأعمال الساعون لتطوير أعمالهم وتوسيع أنشطتهم التمويل اللازم لذلك، وبحيث ينمي أصحاب المدخرات مدخراتهم بنسب معقولة (لا جنونية) بأقل مخاطرة استثمارية ممكنة. مما لاشك فيه أن الاكتتابات الجديدة في أسهم الشركات هي من أفضل الطرق لنقل الرساميل وتوظيفها، وخصوصاً أن هذا النقل يتم من خلال نظام أعدته وتراقب تنفيذه هيئة السوق المالية التي أنشئت من أجل تطوير وتنظيم إصدار وتداول الأوراق المالية التي تشكل الوسيلة المثلى لتوظيف تلك الأموال وتوجيهها إلى قنوات استثمارية تستوعبها وتحولها إلى منتجات وخدمات ينعم الجميع بفوائدها. ولكن هذه الاكتتابات بدأت تعاني اليوم من مشكلة كبيرة تتمثل في علاوات الإصدار التي كثر حولها اللغط مؤخراً بالنسبة للشركات القائمة التي اجتازت الفترة النظامية التي حددتها هيئة السوق المالية والمقدرة بثلاث سنوات بميزانيات رابحة أو واعدة، حيث شكك البعض ببعض علاوات الإصدار مثل تلك المتعلقة بشركة الحكير، وخاصة بعد أن تم تداول أسهم شركة سبكيم بأقل من القيمة التي طرحت بها للاكتتاب العام، فماذا نفعل هل نحجم عن الاكتتابات؟ بالتاكيد لا لأن ذلك سيجعل السيولة الكبيرة تفيض في قناة استثمارية أخرى لتخلق لنا فقاعة أخرى دون قيمة مضافة تذكر كما هي فقاعة الأسهم التي انفجرت على رؤوسنا جميعا. إذن ما العمل؟ بداية يجب أن نعرف أن تقدير قيمة الطرح الجديد IPO Valuation في جميع أنحاء العالم هي عملية ليست علمية مائة في المائة، والتقدير الشخصي له عامل فيها تحدد هذه القيمة. وأنا اعلم انه في بلادنا هذه العملية تتم بطريقة احترافية، علمية، عالمية الاستخدام تتم المحاولة فيها أن يهمش الجانب التقديري إلى أضيق الحدود لمصلحة الحسابات العلمية الممكنة وآلية ذلك بأن يتم تعيين مستشار مالي مرخص يتمتع بالخبرات والمهارات اللازمة لدراسة الشركة وقطاعاتها المختلفة ودراسة السوق الذي تعمل فيه ودراسة قوائمها المالية الماضية والحالية ونسب النمو المتوقعة، ويعمل هذا المستشار جنبا إلى جنب مع مستشار قانوني يقوم بالتأكد من العقود والأمور النظامية الأخرى إضافة لمتعهد التغطية أو ضامن الاكتتاب الذي يشكل آلية دفاعية لمراجعة عملية التقييم التي يقوم بها المستشار المالي ولا سيما أنه سيتضرر بشكل مباشر في حالة عدم نجاح تغطية الاكتتاب لأنه سيكون مضطرا لشراء الأسهم التي لم يتم الاكتتاب بها بسعر الاكتتاب الذي يتضمن علاوة الإصدار التي وافق عليها مسبقا. وإذا أدركنا ذلك وعرفنا أن عملية تحديد علاوة الإصدار تخضع لأساليب علمية متعارف عليها محليا وعالميا وأدركنا أن عملية الغش شبه مستحيلة، وادركنا أن علاوة الإصدار تحدد بالأخذ بعين الاعتبار قيمة الشركة الحقيقية، وقيمة الشركة السوقية مقارنة بالشركة المدرجة بالسوق، لعرفنا أن علاوة الإصدار عادلة في وقت إصدارها. وهذا أحد أهم الأسباب التي فرضت على الشركات ان تعلن عن قوائمها المالية عدة مرات قبل الطرح الأولي لأسهمها. والسؤال: لماذا تم تداول سبكيم بأقل من سعر الاكتتاب؟ والإجابة لأن القيمة السوقية للشركات المشابهة لشركة سبكيم انخفضت، وبالتالي انخفض أحد معايير تقييم الشركة التي استخدمت في تحديد قيمة علاوة الإصدار، إضافة إلى ان السوق إجمالاً فقد بعضاً من الثقة فيه بسبب نزيف نقاط المؤشر، وهذه من الأخطار المتوقعة للاستثمار بالاكتتابات الأولية، ولكنها على كل حال أخطار جد بسيطة إذا ما قورنت بالأخطار العالية عند التداول بسوق الأسهم الثانوية.وختاماً أود أن أنبه الاخوة القراء إلى أن الاكتتابات الأولية ضرورية لانتعاش اقتصادنا وزيادة عمق السوق وتنويع الاختيارات أمام المستثمر، وأن علاوة الإصدار تحدد بمهنية عالية، ولكن هذا لا يعفي المواطن من مسؤوليته الكاملة عن قرار الاكتتاب من عدمه، فالقرار في نهاية الأمر للمواطن الذي يجب عليه ان يقرأ البيانات المالية للشركة قبل الإقدام على الاستثمار فيها فالمال ماله ولن تجبره الشركة ولا هيئة السوق في اكتتاب لا يريده أو يعتبر سعره مبالغاً فيه.
alakil@hotmail.com |
|
|
| |
|