| |
نَبْعٌ من الإِعجاز عبدالرحمن صالح العشماوي
|
(جولة شعرية في إعجاز القرآن الكريم)
شَجَرُ البيانِ بَدَا أمامَك أخضرا |
شجرٌ سقَتْه المكرُماتُ فأَثْمرا |
أغصانُه ابتهجَتْ تَمُدُّ ظِلالَها |
موصولةً بالبيتِ في أُمِّ القُرَى |
في تُرْبَةِ البَلَدِ الحرامِ عروقُها |
تُسْقَى بزَمْزَمَ فيهِ ضاحكةَ الثَّرَى |
شَجَرٌ سقاه الوحيُ غَيْثَ بلاغةٍ |
صارتْ به الصحراءُ روضاً مُزْهِرَا |
لمَّا جَرَى نَهْرُ البيانِ، تبرَّجَتْ |
أغصانُه فَرَحاً به، لمَّا جَرَى |
واستبشر الكون الفسيح بخصبِه |
فأضاءت الآفاقُ لمَّا استبشرا |
شَجَرٌ تحاماه الذُّبولُ فلم يَزَلْ |
أَنْدَى على مَرِّ الزَّمانِ وأَنْضَرا |
يتناثر الإعجازُ من أطرافه |
طَلاًّ بأشذاءِ البيانِ مُعَطَّرا |
وإليه ترنو عينُ كلِّ خميلةٍ |
تتغيَّث الحُلُمَ الجميلَ الأكبرا |
للهِ دَرُّك أيُّها الفجر الذي |
طَرَدَ الدُّجَى لمَّا أَطَلَّ وأَسْفَرا |
في نوركَ الفيَّاضِ آياتٌ، إذا |
تُلِيَتْ على الجبلِ الأَصَمِّ تأثَّرا |
فيها من الإعجاز ما لا ينتهي |
عَيْنٌ ترى صُوَراً، وعينٌ لا تَرَى |
نَبْعٌ من الإعجاز في قرآننا |
يجري على أرضِ التدبُّرِ أَنْهُرَا |
من أين أبدأ قصَّةَ الإعجاز في |
آياتِه؟ ذِهْنُ الخيال تحيَّرا |
أَمِنَ الفضاءِ الرَّحْبِ ضاقَ بما حوى |
وبما استكَنَّ من النُّجوم وما سَرَى؟ |
ومنَ الكواكبِ، كوكبٌ متألِّقٌ |
منها، وآخرُ في الفضاءِ تفجَّرا؟ |
أم مِنْ شَماريخ الجبالِ تمكَّنَتْ |
في الأرضِ، مُطْلِقَةً إلى الأُفْق الذُّرَى؟ |
أم من رمال البيدِ أَنْعَشَها الحَيَا |
فاهتزَّ خِصْباً جَدْبُهنَّ وأَزْهَرا؟ |
أم من جَفافِ الرَّوْضِ مُنْذُ تخلَّفَتْ |
عنه الغيومُ وأَخْلَفَتْه تصحّرا؟ |
صورٌ من الإعجاز في قرآننا |
ما شكَّ فيها ذو اليقين ولا اَمْتَرى |
صورٌ تحيَّرتِ القصيدةُ عندها |
عن أيِّها تروي الحديث الأَشْهرا |
عن ذَرَّةٍ فيها من الأسرارِ ما |
جعل الكبيرَ من العقولِ الأَصْغرا؟! |
عن حَبَّةٍ بُذِرَتْ، فَسَبْعُ سنابلٍ |
ظهرتْ، وعِرْقٌ في التُّراب تجذَّرا؟ |
عن سرِّ بيتِ العنكبوت وقد غَدا |
مَثَلاً لأَوْهنِ منزلٍ عَرَفَ الوَرَى؟ |
عن سرِّ ما في البحرِ من ظلماتهِ |
حتى تكادَ العينُ ألاَّ تُبصرا؟ |
عن عُمْقِ أعماقِ البحار وما حَوَتْ |
عن كلِّ ما عَبَر المُحيطَ وأَبْحرا؟ |
وعن الغيوم السابحاتِ، فبارقٌ |
متَلأْلئٌ فيها، ورَعْدٌ زَمْجرا؟ |
عمَّا تقدَّم دونها وتأخَّرا؟ |
وعن الهلالِ إذا أهلَّ مُقَوَّساً |
وإذا استدار على الكمالِ ونوَّرا؟ |
عن سرِّ خَلْقِ الناسِ في الرَّحِم الذي |
ما زال يَبْهَرُ كلَّ عقلٍ فكَّرا؟ |
صورٌ من الإعجاز في قرآننا |
كانت وظلَّتْ للعجائب مَصْدَرا |
صورٌ تُوَجِّهُ مَوْجَ أسئلةٍ إلى |
غافٍ ولاَهٍ في الحياةِ تعثَّرا |
هَلاَّ سألتَ الكونَ عن أسرارِه |
من قبل أنْ تلهو وأنْ تتكبَّرا؟ |
هلاَّ سألتَ كتابَ ربِّك، إنَّه |
سيظَلُّ في كَشْفِ الحقائقِ أَظْهَرا؟ |
مَنْ عَلَّم النَّحْلَ النِّظام فلم يَزَلْ |
أقوى على حِفْظِ النِّظام وأَقْدرَا؟! |
مَنْ أرشدَ النَّمْلَ الدَّؤُوبَ لسعيه |
فغدا على حمل المتاعب أَصْبرَا؟! |
مَنْ أَوْدَع الإنسانَ مِنْ أسراره |
ما لا تُحيط به العقولُ، وصَوَّرا؟! |
روحاً وقلباً نابضاً وبصيرةً |
تسمو بفطرته وعقلاً نَيِّرا؟ |
من علَّم الإِنسانَ علماً نافعاً |
وحَبَاه أسرارَ الحياةِ وسخَّرا؟! |
مَنْ قرَّبَ الأَبعادَ منه تَفَضُّلاً |
حتى تمكَّنَ في العلومِ وطوَّرا؟! |
أَوليسَ مَنْ خَلَق الوجودَ وصانَه |
وبنى موازينَ الحياةِ وقدَّرا؟! |
هذا هو القرآنُ، هذا نُورُه |
فينا، وهذي المعجزاتُ كا نَرَى |
أَوَبَعْدَ هذا يستبيح مكابرٌ |
كِبْراً، ويرضى كافرٌ أنْ يَكْفُرا؟! |
أَوَبَعْدَ هذا يستباح دمٌ على |
أرضٍ، ويرضى ظالمٌ أنْ يُهْدَرَا؟ |
أيليقُ بالإنسان أنْ يبقى على |
بابِ الهوى مُتَذَبْذِباً مُتحيِّرا؟! |
أيليق بالإنسان أنْ يقسو على |
من جاء بالوحي المبين وبشَّرا |
أيليق بالإنسان أنْ يَعْصي الذي |
فتح الوجود له، وألاَّ يَشْكُرَا؟! |
هذا هو القرآنُ مائدةُ الهُدَى |
في أَرْضنا، نِعْمَ الضِّيافةُ والقِرَى |
|
|
|
| |
|