| |
استرعى انتباهي نحن وهم.. لماذا نفشل وينجحون؟! د. عبد الله بن ناصر الحمود (*)
|
|
رغم كل ما يمكن قوله (تفاؤلا) في علاقتنا مع الآخر، إلا أن معادلة الفعل العربي والإسلامي في ميدان الرؤى الإستراتيجية والسلوكيات المصيرية على المسرح الدولي المعاصر، هي معادلة تبوء بالفشل في معظم الأحوال، فالعرب والمسلمون غير قادرين (استراتيجيا) على المناورة في المنظمات الإقليمية والدولية، وعلى اتخاذ القرارات القومية والأممية، بما يخدم مصالحنا ويلبي احتياجاتنا. ومن المؤسف أن المعادلة ذاتها تكون مقلوبة، وبزاوية منفرجة تبلغ (180) درجة، عندما يكون أبطالها من بين الغرب الأشقر وبخاصة من هم وراء المحيط الأطلنطي. تلك حقيقة تواتر الاتفاق حولها بشكل مؤلم لنا نحن أبناء ما دون المحيط، عندما يتفتق كل صباح على ويلات جديدة في بلداننا، بينما تترسخ هيمنة الغربي وسطوته على مقدراتنا وانتهاكه لحقوقنا ومقدراتنا، دون أن تأخذه في ذلك لومة لائم، بل نكاد لا نملك غير الأسى والحزن عندما تتهاوى مدننا وتُشرّد عائلاتنا، وتُزرع بيننا الفتن العظام ليقتلنا الآخرون، أو لنقتل بعضنا بعضا، في تداعياتٍ (أظن) أنها محسوبة بعناية عندهم، بينما هي وليدة الأفعال وردودها عندنا. إن العراق اليوم يحترق بنار لم يقدر على إثارة مثلها التتار. وإن فلسطين اليوم تُقطّع في وضح النهار، في مسلسلٍ للدمار لا تنتهي منه مذبحة إلا دقّ العدو إسفين مذبحة أخرى، وحيث تُنتهك أرواحنا هنا وهناك، فإن خصومنا اليوم -مع ذلك كله- ينازلوننا (اقتصاديا) في دارفور، و(سياسيا) في إيران و(سياديا) في سوريا ولبنان، و(أيديولوجيا) في الصومال. والقائمة لا تزال طويلة جدا، وتلوّح بمناطق نزاع قادمة، فالغاية الكبرى هي تقزيم كل من تطول قامته، أو يظن أن له قامة أصلا. إن السؤال الأكبر اليوم هو: كيف ينجح الغرب في إدارة دفة العيش المعاصر لصالحه، بينما نفشل نحن في ذلك؟ بل نفشل حتى في ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم في كثير من أقطارنا المعاصرة؟ أعلم يقينا أن الإجابة المفصلة تحتاج إلى مجلدات كبرى تحوي بين دفتيها كل تداعيات علاقاتنا مع الغرب (تاريخيا) و(حاضرا) معاشا. لكن الذي أظنه اليوم وراء ذلك كله هو أننا أفرادٌ بينما هم جماعات، ونحن قيادات وشعوب بينما هم مؤسسات ومنظمات، ونحن مرتهنون للأمر الواقع وننظر -فقط - إلى أخمص أقدامنا، بينما هم يقرؤون التاريخ ويضعون التوازنات الكبرى طويلة المدى. نحن نحسبها بالخطوة غالبا بينما هم يحسبونها بالسنين وبالسنين الضوئية ربما. رؤانا تقوم على معادلات حسابية بسيطة أو معقدة، بينما يحسبونها هم بالمعادلات الهندسية العملاقة. إننا نعقد بين (واقعنا ومستقبلنا العربي والإسلامي) وبين (أهل الحل والعقد) بعقد زواج شرعي لا يفكه إلا أبغض الحلال، وإن كان من بين من ظننا أنهم أهلٌ للحل والعقد من لا يحل ولا يعقد في واقع الحال، بينما يعقدون أمورهم هم بعقود تقوم على التأهيل والكفاية المشهودة، وتخضع للتقويم المستمر والمراجعة المتعمقة والتغيير المنتظم لضمان تحقيق مصالحهم. ومن هنا.. فإن مستقبل علاقتنا المعاصرة بالغرب مستقبل مخيف جدا، ما لم نتعلّم الدروس وبسرعة فائقة، وما لم تكن لدينا القدرة على خوض تجارب جريئة في دعم التشكيل المؤسسي لكل تفاعلاتنا مع الغرب، و(إعادة) بناء وتكوين مؤسساتنا الوطنية ومنظماتنا الإقليمية بعقلية تستحضر الأخطار المحدقة، وتسعى للتجديد في كل شيء (أسِن) وتآكل من الصدأ، ولم يعد بإمكانه التفاعل مع مجريات الأحداث. نحن نملك قيادات كبرى تتمتع بالحكمة والدراية، ونملك طاقات شعبية متميزة جدا في كثير من الميادين، ونملك ثروات بيئية عُظمى من الخليج إلى المحيط، لكن قدرتنا على الجمع الرشيد بين هذه الأركان الثلاثة في مشروع قومي أو أممي للسيادة المعاصرة هي قدرة ضئيلة ومتردية. ومن هنا -كما يبدو- نفشل كثيرا بينما هم ينجحون. وسنبقى نفشل، وسيبقون ينجحون، حتى نغيّر ما بأنفسنا، وحتى نكون أقدر على تغليب مصالحنا الكلية على أنانيتنا الذاتية على كل المستويات، وحتى نكون على قلب رجل واحد بآليات ووسائل وأساليب متطورة ومعاصرة وحقيقية، تقوم على النظرية العلمية والتجربة التطبيقية، ولا تكون مجرد أماني وأحلام وعواطف وآمال يظن بعض البسطاء من بيننا أنها الحق المحض.
(*) نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
alhumoodmail@yahoo.com |
|
|
| |
|