| |
العرب والصين
|
|
تتمدد الصين بانتظام في مساحات عديدة من العالم دافعة بعدة مزايا اقتصادية ورافعة شعار عدم التدخل في شؤون شركائها، مبعدة بذلك شبح الهيمنة الذي يرتبط عادة بتحركات وعلاقات الدول الكبرى، وهي في ذلك تستحضر بشدة في أذهان من تتعامل معهم أمثلة لا تخفى على الساحة الدولية، لعل أبرزها مظاهر وتجاوزات النفوذ. وتفيد بكين بصفة خاصة من وقائع عدة وأخطاء كثيرة للأعضاء الآخرين في نادي الدول العظمى، وهي تجد قبولا بسبب تفاديها لتلك الأخطاء، كما أنها تستثمر انتماءها القريب لمنظومة العالم الثالث أو الدول النامية، غير أن الصين لم تعد تلك الدولة النامية، بل دخلت نادي الكبار وأصبحت منافسا شرسا لهم في دوائر المال والاقتصاد، وما يتبع ذلك من ظهور لأنياب سياسية تنمو سريعا ولا يمكن إخفاؤها. وسواء شاءت الصين أم أبت فإن المحصلة النهائية لانتشارها الواسع النطاق قد ينتهي بها إلى ذات المواقف التي تواجهها الدول الكبرى، فنمو الاستثمارات والمصالح بهذا الشكل المكثف في أنحاء الدنيا يتبعه في الغالب قدر من الصراع، خصوصا عندما تتقاطع مصالح الكبار، ولن تنجو الصين من مثل هذه الاحتكاكات، ومع ذلك فإن لبكين طريقتها الخاصة في التناول انطلاقا من خلو تاريخها الحديث من تجارب استعمارية كارثية أو حروب في التاريخ القريب تجعل منها (بعبعا) مخيفا. وفي العاصمة السودانية الخرطوم ينعقد حاليا مؤتمر عن العلاقات الصينية العربية، وهو يحظى بحضور مرموق وبالذات في الجانب الاقتصادي، ويجيء المؤتمر على خلفية هذه العلاقات المتنامية بين الصين والمجموعة العربية والتي تغذيها، خصوصا، مواقف الصين المؤيدة للحقوق العربية وانحيازها إلى الجانب العربي في الصراع مع إسرائيل. وعلاقات الصين مع السودان تأخذ شكلا محوريا إستراتيجيا، حيث إن الصين هي اللاعب الرئيس في استخراج واستثمار النفط السوداني، غير أن الحجم الكبير للتبادل المتكافئ، تقريبا، هو بين الصين ودول الخليج العربية، مع دور كبير للنفط وصناعات البتروكيماويات في هذا المجال، فضلا عن السوق المزدهرة للمنتجات الصينية في المنطقة، وبصفة عامة فهناك تبادل تجاري بين الصين والعرب يتجاوز الخمسين مليار دولار. سلسلة المؤتمرات الصينية الدولية في النصف الثاني من العام الجاري شملت أيضا القمة الصينية الإفريقية التي سجلت، وفقا للمراقبين، أكبر تجمع للقادة الأفارقة. والدلائل كثيرة على هذا الانتشار الأصفر على الكرة الأرضية، وفي ظل عالم ذي قطبية واحدة لها إفرازات تتميز عموما بعدم التكافؤ وأضرار لا حصر لها على الكثير من القضايا، ودوننا الصراع العربي الإسرائيلي، فإن المعاناة الناجمة تستوجب عالماً أكثر توازنا، ما يجعل الأنظار تتجه إلى تتبع التجربة الصينية، مع الأمل في ألا يتحول العملاق المسالم إلى وحش شرس آخر على الساحة الدولية..ف(عندما تتصارع الأفيال تموت الحشائش) كما يقول المثل الإفريقي.
|
|
|
| |
|