أخبرني أحد الأصدقاء بأنه يريد أن يدخل باب الفن من أوسع أبوابه . فأشرت إليه أن يبدأ بالأمر الأكثر سهولة في باب الفنون هذا. وهو صناعة (الفيديو كليب). ومع أنني لم استشر يوما من قبل في هذا المجال لكنني لم أتوان عن مساعدته . وأخبرته التفاصيل الدقيقة جدا جدا في تلك الصناعة الرائجة هذه الأيام. علّه يصبح ثرياً ويكون لي ولو نصيب صغير من هذا الثراء.
قلت له : ما عليك يا صديقي إلا أن تأتي بمجموعة من الكلمات مصفوفة بجانب بعضها البعض. عربية، عجمية، هندية، لا فرق. المهم أن تذكر فيها كلمات الحب والحبيب، والعشق والعشيق، حتى يسيل لها لعاب المشاهدين، وتتشنف لها آذان السامعين، أو أن تلحق موضة الفواكه الدارجة هذه الأيام. من البرتقالة واليوسف أفندي والرمان. فإذا كان لديك مطربة فعليك يا سيدي أن تجلب الوسيم الرشيق، من بلاد الإغريق، أو من الإخوة الطليان أو الإسبان، له حلق على الآذان، وشعر صدر كشعر الخرفان، وعقد حول العنق من اللؤلو والمرجان، وجسد مخملي رنان، يتراقص حول المطربة كأنه المرنان، بحركات مبتذلة تقشعر منها الأبدان . ويطلب من المطربة الحب والعطف والحنان ،الآن الآن وقبل فوات الأوان. أو أن تسكب الحليب في بانيو الحمام لتسبح المطربة في بحر الأحلام. أو أن تُجْلِسَ مطربةً أخرى على أرض الحمام وهي تغنّي (مِشْ حرام) بملابس تمر على الجسد مرور الكرام.
ولا تنس أن تضيف بعض زخات المطر والرعد والبرق. عند شروق الشمس، في الظلمة، أو خلف القضبان . على السرير، في الأزقة، أو بين الجدران. مع سيارة مكشوفة متعددة الألوان. ثم تمرر ما ذكرت إلى مخرج مبدع فنان، ومنتج مشهور يطلق لك العنان، في ساحات الشهرة وفي كل مكان . ولا تنس أن تحظى بعقد في (دبي) أو (كان) لتكون فناناً فناناً.
أما إذا كان لديك مطرب فلا بد أن تأتي بمجموعة من الفتيات، عربيات، روسيات، أوكرانيات. بيضاوات، شقراوات، يلبسن الأبيض الضيق الشفاف. ليبدين كأنهن عاريات، وشفاه منفوخة بالسيليكون مفعمة الآهات، يتراقصن ويتمايلن حول المطرب، وخلفه، وفوقه، وتحته بحركات مغريات. صدورهن بارزات، ولا تنس أن يظهرن شيئا من أجسادهن الفاتنات، ويبدين بطونهن والخاصرات. مع خواتم وحلقان على السرّات، ووشم على الظهر والوجنات، ومصوّر على سكة حديد ذاهب قادم آت، يرصد جميع الحركات . ثم ترسل هذه الكوكبة من المطربين والمطربات، إلى البرامج المتنوعة في الفضائيات، ليسمعونا أرقى المثاليات، ويتحفونا بالأخلاقيات، وكأنهم لم يمروا يوما في النوادي والبارات!
ثم قلت لصديقي إن لدي فكرة رائعة لتلك الكوكبة من المطربين والمطربات. ما دام الحب والهيام، والشوق والغرام، واللوعة والآهات، هو القاسم المشترك لتلك الأغنيات. والفكرة أيها القرّاء والقارئات أن نوزع لكل مطرب واحدة من تلك المطربات. وننتهي من حالة الحزن واللوعات، والحسرة والآهات ونرتاح من تلك الأغنيات، في تلك التي يسمونها (فضائيات). التي تتحدى المثالية في إضاعة الأوقات.
إنه عصر (الفيديو كليبات). في عالم العولمة وفقد الذات. والعالم العربي في نوم عميق وسبات .
بهذا البيت الشعري العربي أودعكم أيها السادة والسيدات: