هكذا شأن العظماء، يغيبون جسداً حين يموتون لكنهم يظلون حاضرين بأعمالهم وآثارهم ومواقفهم التي رسموا خطوطها في مسيرة حياتهم.
يتوقف القلم في هذا المقال عن سمو الأمير محمد بن سعود الكيبر (طيب الله ثراه) هذا الرائد والرمز الفروسي والذي نعيش الليلة مناسبة إقامة أولى بطولات الموسم على كأسه (كأس الوفاء) مع بداية عقده الثاني، فلأجل هذا الفارس الذي نعيش اليوم إحدى محطات الوفاء له.. يأتي في مقدمة جموعنا المحتفية ملك الخيل والفروسية عبدالله بن عبدالعزيز صاحب الأمر الكريم بإقامة كأس سنوية تخليداً للراحل الكبير.. يأتي المليك ترسيخاً لهذه الذكرى وامتناناً بالأدوار الجليلة التي قدمها للفروسية السعودية.
إن كأس الوفاء التي تقدم لتخليد ذكرى الأمير محمد بن سعود الكبير - كما قال - نجله الأمير سلطان بن محمد ليست كبيرة عليه يرحمه الله، كما أنها ليست (بكثيرة) على ملك الوفاء والإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز، وصدق أبو نايف فالأمير محمد بن سعود يستحق هذا التقدير الذي يأتي على أعلى المستويات والملك عبدالله هو ذاك الفارس ذو المعدن الأصيل الذي لا تفوته السوانح في التعبير عن الوفاء والامتنان لكل من يستحق من أصحاب البذل والعطاء لهذا الوطن الحبيب.
والليلة نعيش مجدداً أحداث المواجهة الأولى لعمالقة الإنتاج السعودي، حيث ظل الأزرق حاملاً للقبها ومحتكراً لمنصات التتويج بكأسها الذهبية لسبع سنوات متتالية، كيف لا وهي البطولة التي تحمل اسم (شقران) والذي خلف رجالاً أكملوا مسيرة والدهم العطرة وجاء من صلبه رجل بقامة سلطان بن محمد الذي ظل يبذل الغالي والنفيس لكي يكون الأسطبل الكبير الذي يحمل اسم أبناء الأمير محمد بن سعود الكبير في الطليعة دائماً وصديقاً ملازماً لبطولات الذهب.
(وما بين شقران وابن شقران) نتذكر حامل لقب هذه الكأس في العام الماضي.. هذا الحصان الأشقراني الذي حافظ على مسلسل الاحتكار و(السباعي) في العام الماضي بعد أن توقع الكثيرون إسدال الستار على ذلك الاحتكار (للعملاق الأزرق) فإذ بابن شقران.. أيها السادة الكرام.. يسبعها باسمه ورسمه وفعله..
نعم فعلها ابن شقران محافظاً على الذهب للأزرق، وكان يمكن أن يكون له في سباق اليوم صولات وجولات أخرى، لكنه للأسف قضى نحبه أثناء أحد التمارين المعتادة له، وتوقف قلبه الذي طالما ضخ في شرايينه (دم العافية) من أجل الفوز والتتويج الأزرقاوي.
يقول أهل الخيل إن الحصان الطيب يحط على عمره والكديش العكس، ويقصدون (يحط على عمره) يحط على يديه ورجليه ومن هذه الخيل الطيبة من يتعرض للإصابات أو يحقق لراعيه الونسة (والنوماس )، بينما ابن شقران شبيه أبيه حط على قلبه.. قلبه الكبير.. الذي ضخ دماء الذهب في جسد البطل خلال الموسم الماضي ليحظى بكأس الوفاء وكأس ولي العهد.. لقد كان ابن شقران سخياً في عطائه، فنسي أثناء تمارينه الصباحية قلبه وهو يتطلع للموسم الحالي لكن أوان رحيله كان قد حل ولفظ البطل أنفاسه في رحيل مبكر فجع القلوب ولعلها مناسبة أن أذكر بدايات ابن شقران، فلأن للأبطال طقوساً يعرفها (الحصانة) كان ابن شقران صاحب مزاج نافر في بداياته أمام جهاز (الاسترد) حيث كان هناك من يصفه (بالحرون) وتصدى مهندس الإنجازات الزرقاء الأمير سلطان بن محمد بإعطاء التعليمات إلى مدربه الجديد وتطويعه إلى أن هدأ مزاجه بعد إجراء عملية صغيرة له.
ولكاتب هذه المقالة رؤية في مسألة (الطقوس) هذه، وهي رؤية لا يعرفها إلا القليلون وقد تكون على صحيحه أو العكس فالبطل لا يجب أن يشتغل على هوى مدربه والجواد العالمي (أتسق) أحد الأمثلة والبطل (راعي العدي) يحفظ عن ظهر قلب منطقة (السبق).
ويبخص علامة الـ800م متجلياً عندها ويقز قلبه عند الـ400م الأخيرة متوهجاً عندها، أما الأمتار الأخيرة فهي (لعبته) التي لا يكون للجوكي فضل فيها.. البطل الذي يعرف متى يحرك محركاته الخارقة المتمثلة في قلبه الكبير ورمياته المثالية التي لا تأتي إلا من بطل مثله (صامل الهده) في سبقه وعديه، ولأن ابن شقران رحل فقد أختار أن يكون رحيله (غير) أتعرفون لماذا؟ لأنه ترك الميدان السعودي وهو حصان غير مهزوم في آخر مشاركاته والمتمثلة من ذات العيار الثقيل (كأس الوفاء + كأس سمو ولي العهد) للعام الماضي .
زبدة الكلام يا سادة يا كرام ما ذكره أحد المتيمين بعشق ابن شقران فعندما علم بموت البطل أو في الصيف الماضي وهو في قمة انتصاراته قال: أنه يشبه (الرجل الشجاع) شجاعة القروم الصناديد شأنه شأن أهل الريادة والزعامة الخالدة.
مسار:
رغم تواجد الميدان طوال الأيام الخمسة الماضية وتغطيتها لفعاليات المزاد السنوي وفي ساعة متأخرة من الليل إلا أن الميدان وكعادتها في الأيام الكبيرة لم تتخلى عن مسارها الثابت في مواكبة وتغطية أولى بطولات الموسم وبمستوى الحدث والمناسبة.
المسار الأخير: