| |
أميرةُ النهر
|
|
قصة من البرازيل في قَديمِ الزَّمان.. وسَالِفِ العَصْر والأوان.. يُحْكَى أنَّ فلاّحاً اسمُه (انطونيو)... كان يعيش وحيداً... في كوخٍ صغير إلى جوار أحد الأنهار... وكان عِنْدَهُ حقلٌ يَزْرَعهُ بطِّيخاً... وفي صباحِ يومٍ من الأيَّام... ذَهَب انطونيو إلى الحَقلِ.. ليَجمعَ البطِّيخَ... ويبيعَهُ.. كما كان يفعلُ في كلِّ يوم... لكنَّه لم يجدْ أيَّ بطّيخَةٍ صالحةٍ للبيع... وعَرَفَ أنّ شخصاً قد سَبقَهُ... وأخَذَ البطِّيخَ الذي طابَ واسْتَوى. انطونيو قرَّرَ أن يُراقِبَ الحقْلَ... ليلاً ونهاراً.. حتّى يَعْرِفَ: مَن الذي يأخُذُ البطِّيخَ مِنْ حَقْلِه...؟ وفي لَيْلةٍ منَ اللَّيالي... رأى أنطونيو في ضوءِ القَمرِ.. سَيِّدةً صغيرةً جميلة.. لها شعرٌ أخضرُ طويلٌ جميل... بِلونِ مياهِ البحر العَميقة... أنطونيو قالَ لنفِسهِ: (كأنَّها أميرةٌ جاءَتْ مِنَ النَّهر...) ولم يُصدِّقْ عيْنيهِ... عندما رأى أنّها هي التي تأخذُ البطِّيخ.... ذَهَبَ أنطونيو.. إلَيها وهوَ غاضبٌ... و... ومُعْجبٌ وقال لها: (إذن... أنتِ التي تَأخُذينَ البطِّيخَ مِنْ حقلي...). نظَرتْ السيدةُ الصغيرةُ إليهِ وهي تَرْتَعِشُ مِنَ الخوف... فقالَ لها: (سأعْفُو عنكِ... على شَرْطِ أن تَقْبَلي الزواجَ مِنِّي... لأني أعيشُ هُنا وَحيداً..). قالتْ السيدةُ الصَّغيرةُ: (على شرط.. على شَرْطِ ألاّ تَقُولَ شيئاً سيئاً عن الذينَ يَسْكُنونَ الماء..). قال أنطونيو: (أنا لا أعرِفُهم... فَلِماذَا أقولُ عَنْهم أيّ شيء...؟). وهكذا ذهب أنطونيو والسيّدةُ الصَّغيرة إلى المدينةِ.. لِيَتَزوَّجا... وعندما رَجعا من المدينةِ... حدثتْ أشياءُ عجيبة: تحوَّلَ الكوخُ الصغيرُ إلى بيتٍ جميل.. تُحيطُ به الحُقولُ الخضراء.. وظَهرتْ مجموعاتٌ من الطُّيورِ والدَّواجنِ والماشيةِ والأغْنامِ... ومجموعة من العمَّالِ.. تزرعُ.. وتَرْعَى الماشيةَ... وتُربِّي الدَّواجنَ وتُنظِّفُ البَيْت... وتعتني بكلِّ شيء... في أوَّلِ الأمر.. دُهشَ أنطونيو كثيراً.. لكنْ بمرورِ الأيّام... تعوَّدَ حياةَ الغِنَى والثَّروة.. وظَهر عَليْهِ الكَسل... وأصبحَ لا عمل لَهُ إلا أن يَزعقَ ويَصْرُخ... ويَشْتُم ويتأمَّر... وتَضايَقت السيدةُ الصغيرةُ مِن هذا... وتركت العنايةَ بالمنزلِ... وأصبحتْ تقضي ساعاتٍ طويلة.. جالسةً تنظُرُ إلى النَّهرِ بِحزْنٍ عَميقٍ... العنايةُ بالمنزلِ أصبحتْ قليلة... والعَملُ في الحُقولِ أصبحَ قليلاً.. واستمرَّ أنطونيو يَزْعَقُ.. ويَصْرخُ.. ويشْتمُ.. ثم قالَ: (لَقد كُنْتُ مَجْنوناً عندما تزَوَّجتُ امرأة خَرجَتْ من النَّهر... كلُّ ما يأتي من النَّهرِ سيِّئ ولا يساوي شيئاً...). لم تتكلم السيدةُ الصَّغيرةُ... وإنّما قامتْ تمشي نَحْوَ النَّهر.. وهي تُغنِّي بصوتٍ جميلٍ رقيقٍ.. حزينٍ.. وفي الحال.. تَجَمَّعَ الخدمُ والرُّعاةُ وعُمَّالُ الحقول.. وسارُوا.. وسارت وراءهم الطُّيورُ.. الدَّواجِنُ.. الماشِيةُ.. والأَغْنامُ ومرُّوا أمامَ السيدةِ الصَّغيرة.. في طريقهم إلى النهر.. وبعدَ لَحَظات... كانوا جميعاً قد اختَفَوْا. خَرَجَ أنطونيو.. وصاحَ يَطْلُبُ إليهم أن يبقوا... لكنْ.. من غَير فائدة... واستمرَّت السيدةُ الصغيرةُ في الغناء... فرأى أنطونيو البيتَ الجميلَ يتحرَّكُ ويخْتفي في النَّهر.. ثم اختفَتْ أميرةُ النَّهرِ أيضاً.. ووَجَدَ أنطونيو نفسه يقفُ وحيداً.. وسط حقْلِ البطِّيخ.. إلى جوارِ كُوخِهِ الصَّغيرِ القديمِ.
|
|
|
| |
|