| |
الأربعاء 4 محرم 1393هـ الموافق 7 فبراير 1973م - العدد (515) حديث أدبي مع الدكتور النعمان القاضي
|
|
*أجراه - محمد أبو حمراء: قبل أسابيع وقف يلقي قصائده في ندوة شعرية.. وقوبلت تلك بالاستحسان والتصفيق.. ولم يكن الكثيرون يعرفون أن بينهم الأديب الشاعر الدكتور النعمان القاضي.. ومن أجل التعرف على الجوانب الأخرى من تفكير هذا الرجل كان هذا اللقاء: تخرج الدكتور القاضي من كلية الآداب بجامعة القاهرة، بعد حصوله على درجة الليسانس الممتازة من قسم اللغة العربية وآدابها 1959، ثم حصل على درجة الماجستير في الآداب من نفس القسم سنة 1963 بموضوع (شعر الفتوح الإسلامية) بتقدير ممتاز، ونشره المجلس الأعلى للفنون والآداب 1964، ثم نال درجة الدكتوراه من نفس القسم بمرتبة الشرف الأولى 1967 بموضوع (شعر الفرق الإسلامية) الذي نشرته دار المعارف سنة 1970، وعمل معيدا بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم مدرسا بنفس القسم، وهو الآن معار بقسم اللغة العربية بجامعة الرياض. نشر إلى جانب دراستيه السالفتي الذكر كتابا عن ابن خلدون في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وحقق كتاب (رايات المبرزين وغايات المميزين لابن سعيد المغربي) وألّف (الحديث الشريف رواية ودراية) وسيصدران عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كما كتب كتابا عن (دولة الراشدين: مقدمة لدراسة الحضارة الإسلامية) من مطبوعات الجامعة الليبية التي عمل بها مدرسا لبعض الوقت عندما أعير إليها سنة 1970م، وسيصدر له عن دار النهضة المصرية قريبا دراسة عن (الإسلام دين ودنيا) وترجم (أسس دراسة اللغة) لبالمر، ويعد الآن دراسة عن المتنبي، عدا مجموعة من المقالات الأدبية والنقدية نشرت متفرقة. مارس كتابة شعر التفعيلة منذ الخمسينات وله ثلاث مجموعات (أغاني الصبا)، (سراب)، (أرمانوسه)، نشرت بعضها في المجلات الأدبية بمصر ولا يفكر في نشرها الآن. سألت الدكتور القاضي: * ما رأيكم في الحركة الأدبية هنا؟ وهل كنتم تعرفون عنها شيئا حينما كنتم خارج المملكة؟ - الحركة الادبية هنا نشطة بشكل ملموس كما يتجلى ذلك في الصحف وما تصدره من ملاحق أدبية تستأثر بمساحات واسعة من الأعمال الادبية والنقدية، وكما يتضح في المواسم الثقافية المزدهرة للجامعة وغيرها من الهيئات والمؤسسات الثقافية، فضلا عن اهتمام الإذاعة الفائق بالبرامج الأدبية والثقافية، إلا أن أكثر مظاهر نشاط الحركة الأدبية لفتا لي هي إقبال عدد كبير من الطلاب على الأدب قراءة وممارسة، الأمر الذي يعود بمزيد من الازدهار لهذه الحركة الفتية. وقد كانت تتناهى إلينا ونحن في القاهرة اصداء هذه الحركة الادبية الناشطة عبر الزملاء السعوديين الذين شاركونا الدرس بها، فعرفنا عن طريقهم بعض رواد الحركة الادبية السعودية الحديثة، وقرأنا ما أصدر هؤلاء الزملاء من دراسات جامعية وابحاث، كما أتيح لنا التعرف على بعض شعراء المملكة وأدبائها امثال الدكتور غازي القصيبي وحسن عبدالله القرشي والشيخ عبدالله بن خميس والاستاذ عبدالعزيز الرفاعي.. وغني عن الذكر أن شعر الأمير عبدالله الفيصل معروف حتى بين عامة الناس في مصر. * مَنْ الشاعر العربي الذي تقرأ له من القدامى ومن المحدثين؟؟ - ليس هناك شاعر واحد أثير لدى بحكم طبيعة عملي، فأنا اقرأ لكل الشعراء العرب القدامى والمحدثين، وربما كان هدف السؤال أي هؤلاء الشعراء أقرب الى النفس من سواه فإذا كان كذلك فإن أقربهم الى نفسي ابن الرومي الذي ارى فيه الشاعر الصادق التعبير عن نفسه كما لا أجد جمهور الشعراء العربي في هذه الناحية، وربما كان ابن الرومي أبرز شعراء العربية تصويرا لمتانة الصلة بين الفن والحياة من ناحية وأبرزهم كذلك في القدرة على التصوير والتشخيص والرسم بالكلمات. أما عن الشعراء المحدثين فإن محمد الفيتوري في آخر مراحل تطوره الفني يعد بحق حامل لواء الشعر الحديث في تصوري. * دكتور نعمان.. أيهما في نظرك أكثر تعبيرا، القصة أم الشعر؟ وهل وصلت الرواية العربية إلى حد الجودة والكمال؟ - هذا سؤال بحاجة إلى تفصيل وإسهاب لا يتفق والمقام، ولكن بالإمكان أن نفرق في إيجاز بين فني الشعر والقصة تفرقة مبنية على طبيعة كل منهما، وطاقة أداته وقدرتها على النهوض بالتعبير، ووظيفة كل منهما تبعا لذلك.. ولا شك ان هذا يتوقف على المراد بالقصة وما اذا كانت رواية (أي قصة طويلة جدا)، أو قصة طويلة، أو قصة قصيرة، أو قصة قصيرة جدا (أي أقصوصة) فإن لكل منها كذلك طبيعتها وقدرتها على التعبير، ووظيفتها التي تتناسب مع معالجة زوايا بعينها بطريقة أقدر من سواها. الا ان التعبير بالشعر يختلف عموما عن التعبير القصصي اختلافات جوهرية اهمها الاختلافات الخاصة بتقنية كل منهما، فبينما يجنح التعبير الشعري الى التركيز والتعبير التصويري المكثف الذي يستند الى انتقاء الصور الموحية الدالة والألفاظ المختارة القادرة على إثارة الخيال والعواطف، فإن الفن القصصي يلجأ الى اختيار الزاوية التي يمكنه ان يبدأ منها علاج الموضوع ويستند الى التخطيط الدقيق لهيكل العمل القصصي من البذور الاولية التي يغرسها القاص الى مراحل نمو الحدث المختلفة وتطورها تطورا يتبع المنطق الفني للعمل القصصي ويتسق مع عناصره المختلفة من بناء الشخصيات ذات الابعاد البشرية المقنعة الى توهج الحدث وتعقده وتشابكه ثم انفراجه ووصوله الى نهايته الطبيعية، وإن كانت القصة الآن قد تنكرت لكل القواعد التقليدية المألوفة فلم يعد لها هيكل ثابت بظهور ما عرف في الغرب باسم اللارواية، فإن العمل القصصي عموما يظل يتميز بالتعبير التفصيلي ويستند إلى عناصر السرد والتشخيص والحوار الأمر الذي لا يتميز به كثير من الشعر وإن كان الشعر يحاول الآن ان يفيد من هذه العناصر؛ ما أوجد قيما تكاد تكون مشتركة بين الشعر الحديث والقصة القصيرة بالذات. ويظل هناك فرق آخر في وظيفة كل منهما وهو أن الشعر رائد دائما الى اكتشاف المجهول بينما القصة تعيد صياغة ما وجد من قبل، وهذا ينقلنا الى بقية السؤال، فالذي اجمع عليه الدارسون أو كادوا أولية الشعر وسبقه لفنون القول جميعا لارتباطه بغناء المشاعر والتعبير عن العواطف وتشابكه مع الموسيقى والغناء والرقص وحركات العمل المختلفة وطقوس الشعائر الدينية القديمة وغير ذلك من الأسباب التي لا يتسع المقام لتفصيلها. وتأخر الفن القصصي لحاجته الى مزيد من الوعي والضبط والهندسة الفنية التي تتطلب مستوى معينا من الفكر. اما عن مستوى ما وصلت اليه القصة العربية فهو مستوى رفيع ولا شك، وهي تتقدم بخطى ثابتة وغير بطيئة في نفس الوقت، والروائيون العرب الذين استمروا قرنا أو ما يقرب من قرن يحاولون في هذا الفن قد اكتسبوا فيه مهارة بعيدة ومستوى عالميا يقف بهم في مصاف أكبر الروائيين في العالم والأمثلة كثيرة على ذلك، ونفس الكلام يمكن ان يقال عن كتاب الاقصوصة بدون استثناء. * نرى بعض الشباب يقبل على قراءة المترجمات، فما هو السبب في رأيكم وكيف نقنع الشباب بضرورة الإقبال على التراث؟ - قراءة الشباب للكتب المترجمة دون الكتب العربية الاصلية لو تحققت فإنها ليست شرا كلها، فنحن نتمنى أن يقبل الشباب على القراءة أولا، ثم بعد ذلك نتمنى على الشباب أن يقبلوا على كتبهم المؤلفة في لغتهم والباعثة لتراثهم في المقام الأول ثم على غير ذلك من الكتب، ولهذا فلا يمكننا القول بخطورة هذا الاتجاه لمجرد أن هذه الكتب اجنبية وحسب، إلا اذا كانت هذه الكتب الاجنبية لا تنهض بما نتوقعه منها من تثقيف وتهذيب وإفادة ومتعة الى جانب تكريس ايماننا بالقيم الرفيعة في الخلق والسلوك، وربما يقع المرء على كتاب اجنبي مترجم اكثر فائدة ومتعة من كتاب مؤلف في العربية ينوء بالاسفاف والغثاثة.. فالأمر إذن ليس في اجنبية الكتاب أو في جنسيته أو لغته بقدر ما يتوقف على موضوعه واتجاهه ومستواه وهو مقياس يجب أن يتنبه إليه الشباب.. ويتنبه من ثم الى ان كثيرا من الكتب تهدف إلى استدراجه الى تأثيرات الحضارات المادية الفاسدة للتسلط على فكره وشهواته عن طريق الكتب التافهة ذات البريق، والموضوعات الشائعة المظهر الخبيثة المخبر مهما كانت هذه الكتب عربية أو أجنبية، وأن يتجه إلى ما يفيده ويغني روحه وعقله ووجدانه من الثقافة الرفيعة سواء أكانت عربية أو أجنبية، ولا شك في أن مسؤولية توجيه الشباب القارئ إلى هذه الناحية تقع على أجهزة التعليم في المدارس والجامعات وعلى وسائل الإعلام والتوعية المختلفة. فاذا ما تنبه الشاب العربي إلى هذا ووعى هذه القضية فإنه سيبحث بنفسه عن النافع المفيد ومن ثم سيتجه أول ما يتجه الى تراثه العريق يستلهمه وينهل منه ويستعينه في ممارساته الثقافية المختلفة، ولكن عليه ان يحذر كذلك ان يقنع بالوقوع تحت تأثيره والتوقف عند هذا الحد من استعادته واحتذائه، وانما عليه ان ينطلق منه الى الابداع والابتكار والاصالة. * من هو الأديب السعودي الذي قرأتم له وأعجبتم به؟ - هذا سؤال أستطيع أن أجيب على شقه الأول الآن، وأن أرجئ شقه الثاني مدة من الزمن فأنا أقرأ لاكثر من اديب ولاكثر من شاعر، ولكني لم استطع حتى الآن ان احدد الأديب الذي اعجب به أكثر من غيره لأنني كل يوم اكتشف واحدا لم أكن أعرفه بالأمس. الا انني اعجبت غاية الاعجاب بشاعر الاحساء الفحل ابن المقرب وأتمنى أن تتاح لي دراسته دراسة متأنية في القريب إن شاء الله. * دكتور نعمان.. أنتم من أنصار الشعر الحديث فما رأيكم؟.. هل ترى أنه سيصمد أم سينهزم بعد حين؟ - موضوع بقاء الشعر الجديد وأظنك تعني شعر التفعيلة أو ما يسمى تجوزا بالشعر الحر ليس موضوع اجتهادات الآن فقد كرس وجوده وفرض نفسه ولكنه يمر الآن بمرحلة يمكن أن نسميها مرحلة النقد الذاتي، وهذا طبيعي كردة فعل لنجاحه من ناحية ولتوقف الحملة عليه من ناحية أخرى، فقد أتاح له هذا ان يتأمل اصحابه مقوماته في هدوء وأن يحاولوا تنقيته من الأوضار والأدران التي علقت به في معركته التي استمرت عدة سنوات، ايمانا من اصحابه بأنه لكي يزدهر ويحمل آمالهم فيه فعليه أن يكتسب مزيدا من عناصر النجاح وأهم هذه العناصر أو المقومات في رأيي أن يلتحم إيقاعه بالإيقاع الموروث وأن يعني بتوفير الموسيقى التي تشد الأذن العربية ولا تهدر ما اتجه اليه من قيم فنية كوحدة التجربة وتكاملها والعناية بالتشخيص والاعتماد على البناء بالصورة والاتجاه إلى الفنون الدرامية من قصص ومسرح. * من الاتهامات الموجهة ضد الشعر الحديث عدم وضوحه، واعتماده على الرمز والإيحاء، بماذا تدافع أنت؟ - قد يصدق هذا الاتهام على بعض الأعمال الشعرية، ولكن من التعميم الخاطئ سحبه على كل الشعر الجديد. وصحيح ان بعض الشعراء وبخاصة تلاميذ المدرسة الرمزية الفرنسية من اصحاب الشعر الجديد في لبنان بصفة خاصة يميلون الى نشر طبقات من الضباب في شعرهم إلا أن هذا لا يشمل كل الشعر الجديد ولا القدر الكبير منه، ويمكن كما قلت حصره في طائفة بعينها من الشعراء كسعيد عقل وخليل حاوي وغيرهما من الشعراء الذين يتبنون ما يعرف بقصيدة النثر! وهو ما لا يمكن ان نعده شعرا، وقد شاع هذا الاتهام فشمل كل الشعر الجديد على الرغم من أن الشعر الجديد يحدد وظيفته الجديدة بالتعبير الصادق الجميل عن الانسان الأمر الذي لا يمكن ان يتحقق بدون تخليص الشعر من كل قيد يعوق هذا الهدف، ولذلك كان اصحاب الشعر الجديد يؤكدون في كل مناسبة أن غرضهم هو ما عبر عنه الشاعر الانجليزي يتيس في قوله (حاولنا ان نختار اسلوبا اقرب الى الكلام، بسيطا كأبسط انواع النثر وكأنه صيحة تخرج من القلب)، ولكن يجب أن اشير الى أن استخدام الرمز والإيحاء - وهما من مقومات هذا الفن - لا يقود بحال الى الضبابية وعدم الوضوح إلا في يد الشاعر الذي لا يعي بوضوح ماذا يريد أن يقول. * أيهما أحسن في رأيك، الشعر عندما يكون تجسيدا للجمال أم عندما يكون تعبيرا عن النفس تجاه الجمال؟ ومن هو الشاعر الذي ترونه خير مثال على ذلك؟ - ليس هناك فرق بين الأمرين، وفي تصوري أنهما أمر واحد، فالتعبير عن النفس يكون مجرد انفعال لا يتعدى الضحك أو البكاء والفرح أو الغضب لو لم يتح له أداء جمالي يرتقى به إلى مستوى الفن، وهكذا يتضح ان التعبير لكي يكون فنيا فإنه يلزم ان يكون جميلا، والمقصود بالجمال هنا ليس حسن القسمات ولا النسبة والتناسب بين الاعضاء والعناصر وإنما هو جمال التصوير أي الوقوع على الصور القادرة على أن تثير مواطن الجمال في النفس، والجمال بهذا المعنى ليس موضوعا خارج الذات وانما هو قيمة ذاتية نفرغها على الموضوع، ولهذا فقد نرى في القبح جمالا اذا صور بصورة تنتزع منا الاعجاب والاستحسان. أما الشاعر الذي يمثل هذا خير تمثيل في رأيي فهو عمر بن أبي ربيعة، فقد اتحد عنده الأمران، فجاء تعبيره عن نفسه تعبيرا جميلا بل تجسيدا للجمال اذا أحببت القول. * هل يكتب الشاعر لنفسه أم للآخرين.. وأيهما في رأيك هو الأفضل؟ - لا يوجد الشاعر الذي يكتب لنفسه ولو اراد نفسه على ذلك، فالتعبير عملية لا تنتهي عند مجرد الانتهاء من العمل الفني وانما تتم عندما يصل الى الطرف الآخر وهو المتلقي، فالفن اتصال مهما كانت صورته أو اتجاهه، هذا فضلا عن أن أي شاعر عندما يكتب فإنه يضع جماهيره في تصوره، وهذا عنصر من عناصر سعيه إلى توفير مقومات الاكتمال والنضج لعمله، وتراه مع كل صورة وكل كلمة يتصور ما ستقابل به من اعجاب أو سخط؛ ما يدفعه إلى مزيد من التفكير والتنظيم والمعاودة والمحاولة نحو مزيد من الكمال الفني؛ الأمر الذي يمكن معه القول إن الجمهور أو الآخرين يشاركون الشاعر في كتابة شعره بصورة أو بأخرى.
|
|
|
| |
|