| |
صورة أخرى..... حنان بيروتي
|
|
بأستذة اعتادها توجه له والده بسؤاله المكرور دون أن يبدي اهتماما حقيقيا وربما دون أن ينتظر ليسمع الإجابة: وكيف علاماتك؟! أجاب بصوت حاول أن يجعله متزنا قدر الإمكان: تمام.. تمام الحمد لله. وصمت بأسى وهو يراقب والده يغادر لشؤونه يشعر بأنه وحيد، صحيح أنه يعيش وسط عائلته والديه وإخوته لكنه وحيد إذ ليس ثمة تواصل حقيقي بينه وبينهم غير بضعة حوارات مبتورة مع أخيه الذي يصغره بثلاثة أعوام لكنه لا يفهمه تماما، أما أخواته البنات فهي هم عليه! عليه أن يراقب تصرفاتهن باستمرار موعد خروجهن من المدرسة. يعيش في صراعات ومعاناة وغربة أكبر من أن يحتلها، تجرأ مرة وأشعل سيجارة.. رجع إلى المدرسة لكنه لم يرجع كما كان! أصبح أستاذا في فن الهروب من المدرسة فجلسة المطعم مع صحن الفول والفلافل وكأس الشاي والقهوة لا تقارن بالحصص واللغو الفارغ! حتى جاء يوم تسلم الشهادة المدرسية، أحس بها وتأمل علاماته بكثير من الحسرة والحيرة ماذا يفعل؟.. ماذا يفعل؟ غضب وأمسك بالدبوس وحف رسم العلامة التي دون مستوى النجاح بحافته الحادة جيدا ثم سجل فوقها بقلم حبر مشابه لقلم الأستاذ علامة جديدة لكنها تزيد بعشرين على سابقتها! دقق في الورقة آملا ألا يلاحظها والده آخر ما يخشاه أمه لأن نظرها ضعف من السكري الذي أصابها ولازمها بسبب الزعل بعد أن تعارك مع أحد الشباب في المدرسة فاشتكى عليه الأخير.. وأحضر تقارير طبية وقد لف رأسه وذراعه مع أنه لا يتذكر أنه عندما تعاركا جرحه وأذاه بهذه الصورة! لا ينسى لحظة اتصل بالبيت وجاءه صوتها محملا بالقلق لتأخره فقال لها: يمه! أنا محجوز بالحبس!! لا ينسى الشهقة التي صدرت عنها وقد اخترقت أسلاك الهاتف لتحط عليه مثقلة بخيبة ودهشة وفجيعة أم لا يستحق أن يكون ولدها! لكن!! كيف يمكنه أن يستوعب حجم الخيبة التي ارتسمت في عيني أمه وهي تدقق النظر في الشهادة وترفع عينيها اللتين أجهدهما السكري وتهمس بصوت مهزوز: ناجح؟! مبروك يمه!! كيف يستوعب الدمعة التي رصدها تلمع بوجع أخرس دونما كلمة؟! كيف يغفر لنفسه أنها لم توبخه لم تخبر والده.. ابتلعت خيبتها ولم تظهر غضبها قط! بدا في عينيها وحركاتها أنها فهمت: اكتشفت العلامة المزورة لكنها لم تقل شيئا! أين ذهبت عباراته وعواصف غضبه التي جهزها لهذا الموقف! شعر أن عباراته وحججه فشلت.. خاف أن يقول كلمة أخفى الشهادة وذهب إلى فراشه.. يحس أن ثمة صراعات تتناحر داخل نفسه.. تقاوم الصور التي اعتاد أن يستحضرها أمامه.
|
|
|
| |
|