| |
دفق قلم ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى عبدالرحمن صالح العشماوي
|
|
هنالك صفاتٌ ما تزال موجودة عند كثيرٍ من المسلمين، هم أجدر الناس بتركها، والبعد عنها، لأنها تصطدم مع تعاليم دينهم بصورة واضحة. كثيراً ما نسمع من يقول - إذا سمع اسم مصلحٍ أو داعيةٍ أو عالم صالح أو مفكِّر مستقيم أو رجلٍ ذي خلق ومكانة في الناس، أو امرأةٍ ذاتِ صلاح واستقامة -: اترك عنك فلاناً أو فلانة فلو كان كل منهما ناجحاً لنجح في إصلاح ابنه، أو أخيه أو ابن عمه، أو بعض أهل بيته وأقاربه، ولربما زاد على هذا القول ما يوحي لمن يسمعه بالاتهام بعد صلاح النيِّة فدخل بذلك في نفق مظلمٍ من سوء الظن والحكم على النيَّات. وهذا مسلك سيئ في حياة البشر، فهو يشكك الناس في أهل الصلاح والتأثير منهم، ويحاول أن يحطِّم كلَّ صورة ذهنية جميلةٍ عن بعض الصالحين والصالحات بمثل هذه التهم التي لا يصح اتهامهم بها، وليست هي مجال اتهامٍ أصلاً، فنحن نعلم أنَّ صلاح القلوب وهدايتها بيد الله سبحانه وتعالى، وأنَّ الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يملكون هداية أحد، وإنما كانوا ينصحون ويبلِّغون ويرشدون الناس، وتبقى الهداية بيد الله عزَّ وجل يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم. (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) خطاب قرآني كريم موجَّه إلى أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، وهو خطاب واضح صريح في نفي قدرة أي إنسان مهما كانت مكانته عند ربه على هداية قلوب الناس، فالنبي، والمصلح، والداعية يبلِّغون الناس، والله وحده هو الذي يملك مفاتيح القلوب، وبناءً على هذه القاعدة الشرعية الواضحة تصبح صفة الانتقاص من مكانة بعض أهل العلم والفضل بسبب عدم صلاح بعض أقاربهم صفةً مذمومةً توقع أصحابها في المحظور الشرعي، وتكسبهم إثماً عظيماً. لقد بذل نوحٌ عليه السلام جهده الكبير مع بعض أهله - زوجته وولده - ليكونوا من المؤمنين بالله فلم ينجح في ذلك، وكانت آخر محاولاته حينما كان ماء الطوفان يربو، والسفينة تعلو على الماء بمن فيها، وابنه مع الكافرين، فلم تنجح المحاولة وكان ابنه من المغرقين. وإبراهيم عليه السلام بذل جهده الكبير مع أبيه، ونقل القرآن الكريم لنا صوراً مؤثرة من حواره معه حين كان يحاول أن يقنعه بالإيمان بالله ولكنَّ ذلك أيضاً لم يثمر لأن الهداية بيد الله عز وجل. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف بالقبائل في المواسم يدعوهم إلى الله وكان وراءه رجل يقول للناس لا تصدِّقوه، ويبذل في ذلك جهده وقد أسلم الناس، وصدَّقوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الرجل باقٍ على عداوته حتى مات كافراً، مع أنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو (أبولهب)، وقد بذل النبي صلى الله عليه وسلم ما في وسعه لإقناع عمه أبي طالب - وهو على فراش موته - أن يقول كلمة الإسلام وينطق بالشهادتين فأبى ومات على الكفر وقلب الرسول صلى الله عليه وسلم يتفطَّر حزناً عليه، بينما زار عليه الصلاة والسلام يهودياً شاباً كان جاراً له فزاره أداءً لحق الجوار، فعرض عليه الإسلام فاستشار الشاب اليهودي أباه، فأشار عليه أبوه بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، فنطق الشهادتين ثم مات فنجَّاه الله بذلك من النار. هذه نماذج واضحة تؤكد أن الهداية بيد الله وأنَّ الانتقاص من عالم أو داعية بسبب عدم صلاح بعض أهلهم لا يجوز، فليستغفر الله من وقع في ذلك ويتوب منه. إشارة القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
www.awfaz.com
|
|
|
| |
|