كثيرة تلك الأمور التي تمر معنا في حياتنا اليومية العادية أو من خلال الممارسة الطبية التي تحتاج إلى سياسة بالغة ودبلوماسية راقية في التعامل وإبداء الرأي. فلو صادفك مثلاً أمرٌ ما وتريد التخلص منه عليك أن تسلك واحداً من طريقين: إما أن تتحدث بصراحة بالغة وتقول رأيك بلا مواربة أو لفٍ أو دورانٍ، أي بلا سياسة أو دبلوماسية، أو أن تسلك أقصى درجات السياسة والدبلوماسية في تعاملك مع هذا الحدث حتى لا تدع الآخرين يوقعوك في الفخ فتصبح شخصاً غير مرغوب به، وتكون حديث الناس أجمع.
فإذا انزعجت من مدخّن مثلاً قل: إنك تكره الدخان والمدخنين، وإذا عرض عليك أحدهم قصة تافهة أو قصيدة خرقاء وألحّ عليك معرفة رأيك فقل له رأيك بصراحة واضحة، وأخبره أن يترك هذه المهنة لغيره، وقل له عليك بذل جهد كبير هائل... وفي جميع تلك الأحوال أنت بعيد كل البعد عن شيء يسمونه (الدبلوماسية).
ولكن ماذا لو صادفك خطأ طبي من صديق أو زميل طبيب، واستفزّك مريض لجوج يريد معرفة رأيك بوضوح، ثم أعاد وكررّ الإلحاح واسم الطبيب أيضاً الذي قام بالخطأ. فماذا سيكون ردّك؟ لو قلت هذا خطأ وليحدث ما يحدث فأجزم أن مصائب الدنيا كلها ستقع على رأسك لأنك أنت نفسك غير معصوم عن الخطأ، والذين ستنتقدهم سيبدؤون إحصاء همساتك وكلماتك وخطواتك حتى تقع. فإن لم تقع نصبوا لك شباكاً، أو ألقوا عنك حكايات تنقص من قيمتك، وربما تدهورك إلى الهاوية. فأنت في تلك الحالة دبلوماسي فاشل جداً، وعليك سوف تدور الدوائر.
لقد علّمتني خبرتي المتواضعة معالجة هذه المواضيع بطرق قصيرة ويسيرة وألا تعطي رأياً قاطعاً في ذلك الزميل. لأنك قد سمعت من المريض (نصف الحقيقة) ولم تسمع من الزميل الطبيب (نصف الحقيقة الآخر).
كن دبلوماسياً ماهراً. اسمع كثيراً وتكلّم قليلاً فالدبلوماسي لا يقول (لا) ولا يقول (نعم) بل ربما، ومن الممكن، ولا بأس.
عالج المشكلة القائمة بغض النظر عن لونها وشكلها وحجمها فمن صلب آداب المهنة الطبية ألا يطعن طبيب بآخر. فالطبيب هو بشر قبل أن يكون طبيباً، وكل ابن آدم خطّاء.