* كتب - محمد المنيع:
من أمتع جوانب الشعر الشعبي والتراث عموماً ذلك التجلي الرائع في مختلف جوانب الحياة وآفاقها المتعددة وتمازجه الرائع مع صفوف الإبداع الإنساني التلقائي.. فنجد أن الشعر والأمثال والحكمة والقصة والأسطورة والأهزوجة وغيرها كلها تتسق في إطار واحد في خيال المتلقي ونفسه بكل سلاسة وهدوء!!
تلك المقدمة البسيطة لمحتها بهدوء خلال تصفحي لديوان (قصائد طلبة مهنا) للأديب محمد بن إبراهيم الهزاع الجزء الثاني..
يصافحك إهداء المؤلف كتابه هذا لشاعرين ورمزين من رموزنا المبدعة هما: صاحبا السمو الملكي الأميران عبدالله وخالد الفيصل وهو إهداء مستحق وجميل.
وفي مقدمة الكتاب وقفة مع مسمى الكتاب (طلبة مهنا) فيقول: (هو المعنى المراد والتفسير العملي للمثل الشعبي الذي يقول: (يا مهنا جاك ما تمنى) بمعنى أن هذا ما تطلبه وتتمناه من قصائد شعبية مغناة.. وأما مهنا فهو رمز شعبي مثل سعد وعلي ويقصد الجميع به ولا يعني شخصاً بذاته).
أقول: إن هذا الكلام ليس دقيقاً، فلهذا المثل قصة معروفة ومشهورة.. فمهنا هذا هو مهنا أبا الخيل من أهل بريدة، وكانت بلدة الربيعية المعروفة في القصيم مشهورة بمائها الحلو ونخيلها الجيد وتربتها الجميلة، وفيها يقول الشاعر:
وكانت ملكاً للربعي، وحاول مهنا شراءها من الربعي الذي كان يرفض، ودارت الأيام واحتاج الربعي للمال وأجبرته الظروف على بيعها وقيل هذا المثل: (جاك يا مهنا ما تمنى).
ونعود إلى الكتاب الذي وفق المؤلف فيه إلى تبويبه الحسن، فقد بدأ بالألفيات المغناة لراشد بن جعيثن وحمد القريني، ثم بدأ فصله الثاني بالمراثي الشعبية المغناة وبدأها بقصيدة الرثاء الشهيرة لمحمد بن هادي شيخ قحطان في عصره التي أسندها إلى ابن عمه علي بن سليمان من آل عاصم، وكان يسكن الوشم وهي قصيدة حزينة رددت كثيراً وغنيت على الربابة بشكل مؤثر حزين وفيها يقول:
وتراك تلفي به من الوشم بطنان |
وانزول بدو قاطنين العدامه |
هما من الوسمى عليهم غمامه |
دار ترى لي ابها خوالٍ وعمان |
هو الفتى الماجد علي بن سليمان |
ويقول عن محبوبته:
قبر حوى حسنٍ وسترٍ وإيمان |
تراه لو ياطا على الزبد مالان |
وتعد من أجمل قصائد الرثاء..
وأما الفصل الثالث، فأورد فيه قصائد شعبية مغناة بدأها بالشاعر الشيخ مقحم الصقري، وقصيدته الجميلة التي تفيض حكمة وشهامة ووصفاً، ومنها تلك الأبيات الشهيرة:
أحدٍ على جاره بختري ونوار |
وكذلك:
خطو الولد مثل البليهي إلى ثار |
يا زين حمله لا تمدري زفيفة |
وخطو الولد يا مال قصاف الأعمار |
لا نافع نفسه ولا منه خيفة |
وقدم قصيدة أيامنا والليالي للشاعر الحكيم بدوي الوقداني بعد ذلك.
وأما فصله الرابع.. فتحدث فيه عن القصائد المغناة قديماً مثل قصيدة الفيحاني التي غناها حجاب:
وقصائد البارحة للسكيني وجريت عشرين للسليم وحوارية العين للمطوع وغيرها من جميل القصائد المغناة التي أخذها المؤلف عن الأسطوانات القديمة.
وندلف إلى الفصل الخامس والأخير، وفيه نقش أجمل القصائد المغناة حديثاً لشعراء بارزين ومعاصرين، ومنهم الأمراء عبدالله الفيصل وخالد الفيصل وسعود بن بندر وخالد بن يزيد وسعود بن محمد وشعراء آخرين كالحميدي الحربي وراشد بن جعيثن وعلي المفضي وغيرهم.
وأجمل ما في الديوان هو ذلك التدوين للسيرة وبالذات لشعراء يرغب القارئ في معرفة تاريخهم وسيرتهم من ابن شريم والنصافي والسليم وغيرهم ممن غردوا كثيراً، ويجهل بعض القراء سيرتهم الذاتية.
وختاماً.. إن طلبة مهنا من أجمل الكتب التي جمعت بعناية وأخرجت وربطت بحكمة وسلمت من الأخطاء الطباعية والشعرية.. وبذلك يستحق مؤلفه الأستاذ محمد بن إبراهيم الهزاع الثناء والتقدير، ونحن في انتظار أجزائه الأخرى.
|